د. أحمد محمد القزعل

يشير مفهوم سعة الأخلاق إلى الانفتاح على كافة الفضائل والقيم الإنسانية الحميدة التي تجسد حسن التعامل مع الآخرين، وتشمل الصبر والحلم والعفو والكرم والاحترام، وغيرها من الفضائل التي تجعل من الشخص قدوة يُحتذى به في المجتمع.

قال يحيى بن معاذ: «في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق»، وسُئل الإمام أحمد بن حنبل عن حُسْن الخلق، فقال: «هو أن تَحتمِل ما يكون من الناس»، ففي سعة الأخلاق كنوز الأرزاق؛ لأن الإنسان الكريم بأخلاقه يحظى بمحبة الناس واحترامهم، مما يفتح له أبواب الرزق والتوفيق في حياته، فالخلق الحسن ليس فقط قيمة دينية أو اجتماعية، بل هو أيضاً مفتاح للنجاح والسعادة في الدنيا والآخرة. وكان النبي - عليه الصلاة والسلام - مثالاً في سعة الأخلاق، حيث عُرف بحلمه وصبره حتى مع من حاربوه وآذوه وأصحابه، فعندما فتح مكة قال لقريش: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، مسامحاً إياهم رغم ما فعلوه به، وهذا الموقف يعكس سعة أخلاقه وعفوه - عليه الصلاة والسلام -، ولقد عُرف الخليفة عمر بن عبد العزيز بسعة أخلاقه ورحمته واتساع صدره وحسن تعامله مع رعيته، حتى أنه كان يعدل في حكمه ويعفو عن من أساء إليه، وكان يقول: «إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس، فتذكر قدرة الله عليك».

ومن مقومات وجود الأخلاق عند الإنسان: التربية السليمة على القيم والمبادئ الأخلاقية منذ الصغر والتي تزرع في الإنسان جذور الأخلاق الحميدة، كما أن الأسرة والمدرسة لهما دور كبير في تعليم الأطفال معنى الاحترام والصدق والأمانة، ولا بد من وجود القدوة الحسنة في حياة الشخص سواء أكان في المنزل أو المدرسة أو المجتمع؛ لأن ذلك يعزز من سلوكيات الفرد الأخلاقية، كما أن الشخص الذي يدرك أهمية الأخلاق في بناء المجتمع والحفاظ على العلاقات الاجتماعية يكون أكثر ميلاً للتمسك بها.

الإسلام يحث على التواضع والعفو والصدق، ويربط بين الأخلاق والعبادات، حيث إن حسن الخلق من علامات التقوى والإيمان الحقيقي، ويشدد على أهمية الأخلاق الحميدة ويعتبرها جزءاً لا يتجزأ من الإيمان. قال - عليه الصلاة والسلام -: (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، «مسند الإمام أحمد «، وقال - عليه الصلاة والسلام -: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً)، «أخرجه الترمذي».

ومن نافلة القول: الأخلاق الرفيعة تجذب الناس وتفتح الأبواب وتحقق الرزق - بإذن الله -، ويجب علينا أن نعمل على غرس القيم الأخلاقية النبيلة في نفوسنا ونفوس الأجيال القادمة؛ لنحيا حياة مليئة بالخير والبركة والتقدير من الله والناس.