محمد عبدالحميد السطم
بعد طي صفحة نظام الأسد الذي كان وجوده حجر عثرة في طريق العلاقات السعودية السورية، قامت المملكة العربية السعودية بخطوة لافتة بإطلاق جسر جوي محمل بالمساعدات الإغاثية والإنسانية، هذه المبادرة التي لاقت صدى على المستويين المحلي والدولي، جاءت بالتزامن مع زيارة وزير خارجية الإدارة السورية الجديدة إلى الرياض، في أول رحلة خارجية له بعد سنوات من التوترات الإقليمية والتغيرات الجذرية في المشهد السوري. برزت الخطوة السعودية كمحطة فارقة وعكست رغبة الرياض في إعادة ترتيب الأولويات الإقليمية، وفتح صفحة جديدة من التعاون مع دمشق في مرحلة ما بعد نظام البعث.
الجسر السعودي إلى دمشق دعم تمثل في وصول طائرتين سعوديتين إلى مطار دمشق الدولي تحمل 53 طنّا من المساعدات الإغاثية والحقائب الإيوائية والشحنات الدوائية، كما أعلن مركز الملك سلمان للإغاثة استمرار الجسر البري والجوي حتى تحقيق النتائج المرجوة، لافتاً إلى قدرته على الوصول إلى كافة المناطق التي تحتاج إلى المساعدة.
جاءت هذه المبادرة إنقاذاً إنسانياً في وقت الحاجة بالنسبة إلى السوريين الذين عانوا من ويلات الحرب والأزمات الاقتصادية الخانقة، ورغم الأبعاد الإنسانية البارزة في هذه المبادرة إلا أن الطائرات الإغاثية تحمل أكثر من مجرد الإغاثة، وتعكس تحولاً كبيراً في مسار العلاقات بين البلدين، ولا يُعد ذلك مستغرباً في علم العلاقات الدولية، فغالباً تكون المبادرات الإنسانية التي تأتي في ظروف معينة أو بعد قطيعة وتوتر تحمل في طياتها رغبة في تهيئة الأرضية السياسية بين البلدين. فبعد سقوط نظام الأسد لم تتأخر المملكة عن إرسال وفد رفيع المستوى إلى دمشق للقاء الإدارة السورية الجديدة، ثم تممت ذلك بالمبادرة الإغاثية ودعوة وزير الخارجية السوري لزيارة الرياض لتكون الوجهة الخارجية الأولى له؛ مما يعكس رغبة الرياض في إرساء معالم شراكة حقيقية لطالما أعاق الأسد تكوينها طيلة السنوات الماضية.
رسائل متعددة الاتجاهات
حملت الطائرات السعودية إلى جانب المواد الإغاثية رسائل تبدو واضحة، وتعكس أهداف الرياض ورؤيتها للمرحلة المقبلة.. ويمكن تقسيم تلك الرسائل من ناحية الاتجاهات إلى ثلاث رسائل:
رسالة إلى الداخل السوري: فقد أكدت السعودية في هذه المبادرة أنها ترى في سورية شريكاً مستقبلياً مهمّاً، وتتطلّع إلى العمل بجهد في سبيل تخفيف معاناة السوريين ودعمهم في مرحلة التعافي وتعزيز استقرارهم.
رسالة إلى المحيط العربي: تعرف السعودية مركزها في المحيط العربي وآثار أدوارها؛ مما يجعل هذه المبادرة بمثابة تشجيع للدول العربية الأخرى على اتخاذ إجراءات مماثلة من شأنها تعزيز العمل العربي المشترك وإعادة سورية إلى الحاضنة العربية من جديد.
رسالة إلى المجتمع الدولي: تجسّد المبادرة رؤية المملكة في كونها قائداً إقليمياً يسعى لحل الأزمات في المنطقة، ويُعد هذا التحرك امتداداً لدورها الإنساني الذي تلعبه في النزاعات والحروب.
إعادة الإعمار دور ريادي
يعتبر ملف إعادة الإعمار الأكثر ثقلاً في المرحلة المقبلة، حيث تحتاج سورية إلى جهود ضخمة ومتضافرة لإعادة بناء البنية التحتية وتعزيز الاقتصاد وإعادة اللاجئين إلى ديارهم، وتُعد السعودية المرشّح الأسمى للعب دور محوري بفضل القوة الاقتصادية والقدرة العالية على التمويل، إضافة إلى نفوذ المملكة الواسع على المستوى الدولي الذي يمكنها من حشد تحالفات دولية داعمة وضمان تمويل المشاريع الكبرى، كما أن الاستقرار الداخلي للمملكة وانتهاجها التنمية عنواناً لمستقبلها يضعها في موقع مميز في إطار إعادة الإعمار.
على الناحية الأخرى ترى السعودية في ذلك فرصة لتعزيز استقرار المنطقة خصوصاً أن الحرب السورية خلّفت تداعيات كارثية مثل موجات الهجرة وصعود الجماعات المتطرفة، فمساهمتها تخدم رؤيتها في بناء شرق أوسط أكثر استقراراً، وتعزز دورها القيادي في المحيط العربي، لكن جملة من العوائق قد تعيق تفعيل هذا الملف، فعلى الرغم من ملء الفراغ السياسي الذي تمكنت منه الإدارة الجديدة مازالت البلاد في مرحلة التعافي، وأكدت التصريحات القادمة من دمشق على أن موارد الدولة محدودة جداً، وأن البنية التحتية التي خلّفها الأسد أقل ما يُقال عنها إنها منهارة، ناهيك عن التخوّف من استمرارية العقوبات الدولية على سورية التي تنادي الإدارة الجديدة برفعها منذ الأول اليوم لسقوط الأسد وهذه العوامل قد تعيق تدفّق التمويل.
خلاصة
بين الطائرات المحمّلة بالمساعدات الإنسانية والتطلعات السياسية المعلنة وغير المعلنة تتشكل ملامح جديدة للعلاقات السعودية السورية في مرحلة ما بعد الأسد، وبينما تلوح بالأفق تحديات كثيرة بدءاً من متطلبات إعادة الإعمار، وصولاً إلى عوامل التوافق على رؤية مشتركة بين البلدين، فإن المرحلة المقبلة ملأى بالفرص التي تقود إلى بناء شراكة تعود بالنفع على الشعبين الشقيقين.