أحمد عبدالله الشبل
مبادرة وطنية لبناء منظومة متكاملة لإعداد الطفل للمستقبل في عالم متسارع يشهد تطورًا كبيرًا في المجالات العلمية والتقنية، تتنافس الدول لتحقيق التميز في الاقتصاد المعرفي. ولا شك أن بناء المستقبل واستدامته في أي مجتمع يبدأ من الاهتمام بالطفل وإعداده لمواجهة التحديات المستقبلية. إن إعداد الطفل في منظومة متكاملة يعد من أهم الاستثمارات في بناء المستقبل، حيث يُعتبر الطفل اللبنة الأساسية في بناء المجتمع. لذا، فإن اكتشاف قدراته وتوجيهها وتطويرها، وتنمية مهاراته، هو الأساس لبناء رؤيته المستقبلية، وهو ما يتطلب تضافر الجهود وتكاملها لتطويره في جميع الجوانب العلمية، التقنية، النفسية، والاجتماعية.
وفي إطار رؤية طموحة تسهم في بناء المستقبل، تم إنشاء «قاعة محمد السبيعي للطفل» ضمن واحة عبدالله الزامل للعلوم في مركز القصيم العلمي، بدعم من مؤسسة غروس الخيرية وبتنفيذ جمعية العلوم والتقنية بالقصيم. والتي سيتم افتتاحها قريباً برعاية صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز، أمير منطقة القصيم ورئيس مجلس أمناء مركز القصيم العلمي. حيث يهدف المشروع إلى اكتشاف طاقات وقدرات أطفالنا وتنمية مهاراتهم، خصوصًا في المجالات العلمية والتقنية. يستهدف المشروع الأطفال من سن 6 إلى 12 عامًا من خلال برامج تفاعلية مبتكرة، تهدف إلى استكشاف المجالات العلمية بأساليب حديثة، تواكب التطورات التكنولوجية وتغرس فيهم التفكير العلمي والإبداعي. تتضمن هذه المبادرة مسارات متنوعة تهدف إلى تطوير مهارات الأطفال بشكل شامل، حيث تضم قاعة المعروضات التفاعلية التي تحتوي على أجنحة متعددة تغطي مجالات علمية وتقنية مثل: مستقبل التقنية، الذكاء الاصطناعي، الروبوتات، الفضاء، الطيران، الطاقة المتجددة، الصحة، البيئة والمناخ. تُقدّم هذه الأجنحة بأساليب مبتكرة تتناسب مع المرحلة العمرية للأطفال، مما يعزز لديهم التفكير العلمي والاستكشاف. كما تشمل المبادرة البرامج التدريبية المتخصصة التي تركز على تطوير الجوانب العلمية، التقنية، والاجتماعية، وتعتمد على منهجية STEM (العلوم، التكنولوجيا، الهندسة، الرياضيات). تهدف هذه البرامج إلى إعداد جيل واعٍ ومؤثر قادر على مواكبة التطورات العالمية في مجالات العلم والتكنولوجيا، بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030. إن إعداد الطفل لمستقبل مشرق يتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف المعنية، بدءًا من الأسرة والمدرسة، وصولًا إلى المراكز العلمية المتخصصة. حيث تساهم هذه المراكز في اكتشاف قدرات الطفل وتعزيز مهاراته، مما يُعدّه ليكون قائدًا فاعلًا في المستقبل.
تهدف هذه المنظومة إلى تعزيز المهارات القيادية لدى الأطفال، وتنمية قدراتهم على التفكير النقدي واتخاذ القرارات السليمة، ما يعزز ثقتهم بأنفسهم ويعدهم لتحمل المسؤولية المستقبلية. كما أن إعداد الطفل لا يقتصر على الجانب العلمي والتقني فقط، بل يشمل أيضًا الدعم النفسي والاجتماعي. تلعب البيئة المحفزة والآمنة دورًا مهمًا في بناء شخصية متوازنة، حيث تشجع على التعبير عن الذات وتوفر للأطفال مساحة آمنة للتفاعل مع مشاعرهم وأفكارهم. هذا الدعم يعزز توازنهم العاطفي ويمنحهم الثقة لمواجهة التحديات المستقبلية. وفي الوقت نفسه، يساعد هذا التكامل في بناء الثقة لدى الطفل، من خلال منحه الفرصة لخوض تجارب جديدة مدروسة، حيث يعزز كل تحدٍ يواجهه من شخصيته، ويمنحه إحساسًا بالمسؤولية والانتماء. كما أن مشاركته في الأنشطة المجتمعية تعزز من شعوره بأهمية دوره في بناء مستقبله، وتحفزه على المشاركة الفاعلة في تحقيق التقدم الجماعي. هذا التكامل بين الجوانب العلمية والنفسية والاجتماعية يساعد الطفل على تطوير مهارات التواصل الفعّال، ويغرس فيه قيم التعاون والعمل الجماعي، وهي العناصر الضرورية لأي قائد ناجح.
إن العمل على تحقيق هذه المنظومة المتكاملة، التي تجمع بين العلم والتكنولوجيا والدعم النفسي والاجتماعي، يُسهم في إعداد طفل مستعد لمواجهة تحديات المستقبل، من خلال هذه المبادرة، نساهم في بناء جيل قادر على الابتكار، يتحلى بالمسؤولية، ويشارك بفعالية في بناء مستقبله ومستقبل وطنه. وبذلك، نُعد جيلًا مبدعًا قادرًا على المساهمة في تطوير المجتمع وتحقيق مستقبل مستدام ومشرق.
** **
- المشرف العام وأمين مجلس أمناء مركز القصيم العلمي بعنيزة