د. أحمد محمد القزعل
يشكل التعليم أحد الأعمدة الأساسية لبناء مستقبل أي دولة، ومن هنا تأتي أهمية إعادة بناء المنظومة التعليمية في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث تعرض التعليم في سوريا لأضرار جسيمة نتيجة الحرب الطويلة التي دمرت البنية التحتية التعليمية وأثرت على أجيال بأكملها، ومع ذلك فإن الإرادة الفكرية والتعليمية للشعب السوري ستظل قوة دافعة لإعادة بناء هذا القطاع الحيوي ليعود التعليم إلى سابق عهده، بل وأفضل بما يساهم في نهوض سوريا من جديد.
فمنذ بداية الحرب السورية تعرض قطاع التعليم لضربات قاسية، فالقصف المستمر الذي مارسه النظام البائد أدى إلى تدمير آلاف المدارس وتحول بعضها إلى مراكز ومقرات عسكرية، ووفقاً لتقارير منظمات حقوق الإنسان فقد خرج أكثر من مليوني طفل سوري من مقاعد الدراسة بسبب النزاع، كما تضررت أكثر من 40 % من المدارس بشكل كامل أو جزئي، ولقد انعكس هذا التدهور في التعليم على مستوى التحصيل العلمي لأجيال المستقبل وحرم العديد من الأطفال من أبسط حقوقهم في التعلم، وأصبحت ظاهرة «التسرب المدرسي» من الظواهر الشائعة حيث أجبرت الظروف الاقتصادية والأمنية الكثير من الأطفال على التخلي عن الدراسة والانخراط في سوق العمل وورشات التصنيع، أو في الزراعة أو حتى في الشوارع كباعة متجولين، حقيقة فإن هؤلاء الأطفال حملوا عبئاً ثقيلاً يفوق سنهم ويؤثر على مستقبلهم وكل ذلك في سبيل إعالة أسرهم.
لم تكتف الحرب في حرمان هؤلاء الأطفال من التعليم، بل وتسببت في تعريضهم لمخاطر نفسية وجسدية قد تؤثر عليهم طوال حياتهم، ومع ذلك فإن كثيراً من هؤلاء الأطفال يبقون متمسكين بأمل العودة إلى مقاعد الدراسة إذا ما تهيأت لهم الظروف المناسبة مما يعكس رغبة الشعب السوري العميقة في التعلم والنهوض بمستقبل أبنائهم.
وبالرغم من كل المآسي التي عاشها السوريون فإن لديهم مقومات قوية تؤهلهم للنهوض بالمنظومة التعليمية من جديد، منها: الإيمان بقيمة التعليم ولطالما كان التعليم جزءاً أساسياً من ثقافة المجتمع السوري والأسر السورية تُعلي من قيمة العلم وتبذل كل ما في وسعها لتعليم أبنائها؛ لأنهم يرون في التعليم سلاحاً لمواجهة المستقبل، ويزخر الشعب السوري بالكثير من المعلمين والأكاديميين والمثقفين الذين يمكنهم قيادة عملية الإصلاح التعليمي ووضع مناهج عصرية تتناسب مع متطلبات العصر، كما أن سوريا لها تاريخ طويل في المجال التعليمي فدمشق وحلب كانتا مركزين علميين بارزين في العالم العربي، ولعل إعادة استثمار هذا الإرث سيعزز من عملية النهضة التعليمية في المستقبل.
ولقد أشار العديد من الأدباء والشعراء إلى عظمة الشعب السوري وصموده في وجه التحديات ومسيرته الدائمة في سبيل تحقيق النهضة التعليمية، فيقول الشاعر نزار قباني: « في كل طفل سوري يولد، تشرق شمس جديدة «، كما يقول الأديب العالمي جبران خليل جبران: « إن أطفال سوريا يحملون في عيونهم بريق الأمل وفي قلوبهم قوة تتحدى الزمن».
إن إعادة بناء سوريا تبدأ من إعادة بناء مدارسها وترميم منظومتها التعليمية، ولابد من تضافر جهود الدولة والمجتمع المدني والمنظمات الدولية؛ لضمان عودة الأطفال إلى مقاعد الدراسة وتقديم تعليم نوعي يواكب متطلبات العصر، فالتعليم هو الأساس لبناء أجيال قادرة على قيادة سوريا نحو مستقبل مشرق بعيداً عن الحروب والدمار، كما يجب أن يكون بناء المدارس وتطوير المناهج أولوية وطنية؛ لأننا بالعلم فقط نستطيع أن نضمن أن سوريا ستعود أقوى مما كانت عليه، وبإرادة الشعب السوري، وبإصرار أبنائه على التعلم سيعود الأمل ليضيء سماء سوريا من جديد وستكون مدارسها منارات للمعرفة والتقدم.