نجلاء العتيبي
في أعماق القاعات الدراسية، حيث تلتقي الأحلامُ بالطموح، يُولَد الخوف من الاختبارات كظلالٍ تقتحم صفاء الذهن.
هذه الظاهرة التي تُعرَف بفوبيا الاختبارات ليست مجرد قلقٍ عابرٍ، بل هي حالة وجدانية عميقة تحمل في طيَّاتها الكثير من التحديات النفسية والذهنية.
فحين يحين موعد الاختبار يبدو كأن الزمن يتوقَّف، وتتسارع ضربات القلب في إيقاعٍ غير مألوفٍ، فتنقلب الأوراق البيضاء إلى ساحات للمعارك، حيث يجد الطالب نفسه وحيدًا أمام أسئلة تحمل ثقل مستقبله، يبدأ الخوف بالتسلل مثل زائرٍ ثقيلِ الظل يُلقي في النفس هواجس الفشل والعجز حتى لو كان الطالب مستعدًّا تمامًا.
هذه الفوبيا ليست وليدةَ اللحظة، بل تنمو مع الزمن؛ نتيجة تجارب سابقة محفوفة بالضغوط أو توقُّعات مجتمعية عالية تصنع جدارًا من الخوف يصعب اختراقه، فكثيرًا ما يتعرَّض الطالب سواء بوعي أو دون وعي لمعايير مثالية، تجعل من الاختبار ليس مجرد وسيلة للتقييم، بل مرآة تحدِّد قيمته كشخص يصبح النجاح مطلبًا يساوي الرضا، بينما يُنظَر إلى الفشل كخسارة لا تُغتفَر.
ومما يزيد الأمر تعقيدًا هو نظرة المجتمع التي تُغلِّب النتائج على الجهود، فيُطلب من الطالب أن يكون متميزًا في كل شيء حتى لو كان الثمن قلقًا يلتهم راحته النفسية، وفي ظل هذا الضغط يتراجع الأداء، ليس بسبب نقص المعرفة، بل بفعل رهبة اللحظة التي تحاصر العقل وتشلُّ التفكير.
الأمر لا يقف عند حدود القاعات الدراسية، بل يمتدُّ إلى النوم والطعام والوقت، فيصبح التفكير في الاختبار كابوسًا يرافق الطالب حتى في أحلامه، ويشعر كأن أيَّ خطوة خاطئة قد تؤدِّي إلى انهيار العالم من حوله، ومن هنا تبدأ دوامة جلْد الذات، والقلق المزمن التي تؤثِّر سلبًا على قدرة الطالب على الإبداع والتركيز.
ولكن هل يمكن التغلُّب على هذا الخوف؟
يكمُنُ الحل في التوازن النفسي والوعي الذاتي، فيجب أن يدرك الطالب أن الاختبار ليس نهاية المطاف، بل محطة في رحلة طويلة يحتاج إلى أن يُغيِّر نظرته؛ ليرى في الورقة البيضاء فرصةً للتعبير عما تعلَّمه، وليس ساحة حكم على قدراته.
فالتقبل هو المفتاح حيث يُسمح للنفس بالخطأ دون خوف من العواقب المدمرة، كما أن دعم الأسرة والمجتمع يلعب دورًا محوريًّا في تقليل الضغوط عندما يشعر الطالب بأنه محبوب ومُقدَّر بغضِّ النظر عن النتائج، يتحرَّر من قيود التوتُّر، يحتاج إلى من يُذكِّره بأن قيمته الحقيقية لا تُقاس فقط بدرجات تُكتب على ورقة، بل بما يمتلكه من طموح التعلُّم وإصرار على المضيِّ قُدمًا.
فوبيا الاختبارات ليست عدوًا بلا وجه، بل هي انعكاس لهواجس أكبر تنبع من داخل الإنسان، قد تكون الامتحانات جزءًا من الحياة لكنها ليست الحياة نفسها، فالتحدي الحقيقي ليس في إجابة كل سؤال بشكل مثالي، بل في مواجهة الخوف بجرأةٍ، والإيمان بأن كل تجربة مهما كانت نتيجتها تضيف شيئًا فريدًا إلى مسيرة الطالب نحو النضج والتفوق.
ضوء
«لا تخفْ من الفشل؛ إنه الطريق الوحيد للنجاح».
جولي أندروز