رمضان جريدي العنزي
الإفلاس ليس في المال، ولا في التجارة، ولا في العقار، ولا في البورصة، ولا في سوق المال والتداول، ولا في أي شيء آخر من متاع الدنيا الزائل، والمفلس ليس من لا مال له، لكن المفلس من أساء إلى الناس بلسانه ويده، وسرق وضرب، وسفك الدم الحرام، وذم واغتاب ونم، وهمز وغمز، ومشى بين الناس فتاناً مفرقاً مغتابا، والمريض بآفة القلب، والمتكبر والمعجب بنفسه والمغرور، وقليل الأدب والذوق، ورديء السلوك، والمنتقص من الناس، والخائض في الأعراض، والممتهن للكرامة، والمتطاول على السمعة، بكافة الطرق والوسائل والأساليب، الممنوعة والمحرَّمة، قال الرسول الأمين لصحابته الكرام: (أتدرون من المفلس: قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياه فطرحت عليه ثم طرح في النار)، إنها الخسارة العظيمة والجسيمة، والحسرة والندامة، أبداً مثل الإفلاس بعد الغنى، والذل بعد العز، والضعف بعد القوة، والعجز بعد القدرة، يأتي الإنسان بحسنات مثل الجبال، بعد تعب وجد ونصب، في الجمع والتحصيل، حسنات لا عد لها ولا حصر تنسف نسفاً، وتصبح هباءً منثوراً، لا قيمة لها ولا وزن، بل تفرق وتوزع وتقسم على الأعداء والخصوم، فتضيع الأجور، وتذهب الحسنات سدى، وتبقى الحسرات والندم، يوم لا تنفع الحسرة، ولا ينفع الندم.
قال الشاعر:
ما أحسنَ الدينَ والدنيا إذا اجتمعا
وأقبحَ الكفرَ والإفلاسَ في الرجلِ
إن الصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر ما هي إلا لقلقة لسان، والصيام الذي لا يردع عن الولوج في المحارم، ما هو إلا مجرد جوع وعطش، والصدقة والزكاة التي يتبعها منة ما هي إلا نفاق، نسأل الله تعالى أن يلهمنا الحكمة والصواب، والبعد عن الاعتداء والإساءة، وأن يحفظ ألسنتنا وجوارحنا وكل ما فينا.