د. أحمد محمد القزعل
تشير ثقافة الفرح إلى تلك الممارسات والعادات والمعتقدات التي ترتبط بالاحتفال والسعادة في حياة الأفراد والمجتمعات، وهي تعبير عن الشعور بالبهجة والرضا الداخلي الذي ينعكس في السلوك الاجتماعي والطقوس الجماعية، كما تمتد ثقافة الفرح لتشمل الفنون والأدب والاحتفالات التقليدية والدينية، وحتى الطقوس اليومية البسيطة التي تعزز من إحساس الإنسان بالسعادة.
في الحضارات القديمة كان الفرح متجسداً في الاحتفالات الدينية والمناسبات الاجتماعية كاحتفالات المصريين القدماء التي كانت مرتبطة بالآلهة والفصول الزراعية، وخلال العصور الوسطى كانت ثقافة الفرح تتأثر بشكل كبير بالدين، حيث كانت المناسبات الدينية مثل الأعياد والمهرجانات الكبيرة تركز على الفرح الجماعي والاحتفالات الجماعية، ومع تطور المجتمعات الحديثة تحولت ثقافة الفرح إلى مفهوم أكثر فردية وشخصية، وتطورت الاحتفالات لتشمل أعياد الميلاد والمناسبات الوطنية والأحداث الثقافية والفنية، وفي العصر الحالي أصبحت ثقافة الفرح متأثرة بالعولمة والتكنولوجيا، حيث أصبح التواصل الاجتماعي والاحتفال عبر الإنترنت جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية مع بقاء الثقافات التقليدية حية في بعض المجتمعات.
وتعتبر المشاركة الاجتماعية في الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية عنصراً أساسياً في بناء ثقافة الفرح، حيث تعزز الروابط الاجتماعية وتخلق ذكريات إيجابية، كما تلعب القيم الدينية والثقافية دوراً كبيراً في تشكيل ثقافة الفرح، ويعتمد بناء ثقافة الفرح على الظروف الاقتصادية والاجتماعية، حيث إن ازدهار الاقتصاد وتوافر فرص العمل والدخل المناسب يعزز من قدرة الأفراد على الاحتفال والشعور بالسعادة.
فالفرح والسرور حالة وِجدانية وغريزة شعورية وهو دليل صحة وسلامة في النفس الإنسانية، والإسلام دين يتسم بالتوازن والشمولية وهو يشجع على الفرح والبهجة في إطار الأخلاق والضوابط الشرعية، فالفرح في الإسلام ليس مجرد مشاعر عابرة بل هو حالة من الرضا والطمأنينة الناتجة عن القرب من الله وتحقيق الأهداف النبيلة، كما أن الإسلام يحث على التعبير عن الفرح في المناسبات الدينية والاجتماعية مثل الأعياد والزواج مع التأكيد على الاعتدال والبعد عن الإسراف والمبالغة. قال تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس: 58)، وكان النبي - عليه الصلاة والسلام - يبدي سعادة وفرحاً بقدوم شهر رمضان ويحث أصحابه على الفرح بهذا الشهر الكريم، وكذلك بالعيدين بعد الصيام والحج، قال - عليه الصلاة والسلام -: (للصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه) صحيح الترمذي.
ومن نافلة القول: يظل الفرح متنوعاً في تعابيره عبر الثقافات والأزمان، ويظل الإسلام محفزاً للفرح في إطار منضبط ومتزن؛ لذا فإن نشر ثقافة الفرح المستدامة يسهم في تحقيق الرفاهية الفردية والمجتمعية وهو هدف نبيل تسعى إليه المجتمعات على مر العصور.