د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
يتميز قطاع تصنيع السيارات بأنه واحد من أكبر الصناعات في جميع أنحاء العالم، وواحد من أكثر القطاعات ديناميكية وابتكارا في الاقتصاد، حيث تتكيف مع احتياجات العملاء وتوقعاتهم المتغيرة، بسبب متطلبات الاستدامة والبيئة، وتطوير التقنيات الذكية، كلها عوامل تجعل عمليات التصنيع تعد أكثر تعقيدا، نتيجة ذلك يحتاج المصنعون إلى تحقيق التوازن بين جوانب الانبعاثات والوزن في المركبات بشكل أكثر مرونة، إلى جانب العزل والراحة في السيارات، باستخدام مادتي البولي بروبلين الموسع، والبوليسترين الموسع، لأنها تمتص الصدمات الأمامية خفيفة الوزن، باستخدام بروبلين والبوليسترين الموسع، وهما من الصناعات الأساسية التي تنتجها السعودية.
تسهم صناعة السيارات بنحو 3 في المائة من الناتج العالمي، تصل إلى 7 في المائة في الأسواق الناشئة، يعمل بها 5 في المائة من إجمالي القوى العاملة، تم إنتاج 85 مليون سيارة في عام 2022، بقيمة 2.9 تريليون دولار، تأتي الصين في المرتبة الأولى بنحو 32 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي ونحو 10 في المائة من الناتج الصيني، ثم الولايات المتحدة ساهمت بنحو 12 في المائة من إجمالي الناتج الأمريكي، بإنتاج نحو 10 ملايين سيارة، تأتي اليابان بإنتاج نحو 7.8 مليون سيارة، فالهند بنحو 5.4 مليون سيارة، فكوريا الجنوبية بنحو 3.7 مليون سيارة، فألمانيا بنحو 3.6 مليون سيارة، فالمكسيم بنحو 3.5 مليون سيارة، فالبرازيل بنحو 2.3 مليون سيارة، فاسبانيا بنحو 2.2 مليون سيارة، فتايلاند بنحو 1.9 مليون سيارة.
آفاق النمو هو الذي يتحكم في تشكيل صناعة السيارات العالمية، فمثلا هناك اعتزاز بقوة إنتاج شركة تسلا مقابل إنتاج شركة بي واي دي الصينية في 2011، وبالفعل ارتفع سهم تسلا من 17 دولار عام 2010 إلى 350 دولارا في 2017 وقفز إلى 887 دولار ا في 2020 حاليا انخفض إلى 400 دولار بسبب المنافسة الشرسة.
شركة بي واي دي المتخصصة في صناعة بطاريات لميترولا ونوكيا التي استطاعت صناعة أول سيارة هجينة عام 2008 رغم انها لم تلق نجاحا، لكن نجاح الشركة في استخدام بطاريات بليد عام 2020 الأكثر أمانا ومنخفضة التكلفة تقطع مسافة 500 كلم قبل إعادة شحن البطارية وتكلفتها 33 ألف دولار، ارتفع إنتاجها من 831 ألف سيارة في 2020 إلى أكثر من مليون سيارة في 2023 ونحو 90 في المائة من مبيعاتها داخل الصين تطمح إلى رفع صادراتها إلى الخارج بنحو 30 في المائة.
أصبحت تمثل حصة بي واي دي 35 في السوق الصيني، بينما حصة تسلا لا تزيد عن 7.8 في المائة، ولا زالت اليابان المتصدر في صادرات السيارات في 2023 بنحو 5.97 مليون سيارة، بينما بلغت صادرات الصين نحو 5.22 مليون سيارة، لكن ارتفعت خمسة أمثال عام 2020 من نحو مليون سيارة، ولم تتوقف شركة بي واي دي عند إنتاج السيارات الصغيرة، بل اتجهت نحو إنتاج سيارات النقل الكهربائية لنقل المسافرين في المطارات وسيارات نقل المخلفات، واتجهت إلى التكامل الرأسي لاقتحام أسواق أوروبا، خصوصا بعد الصراع الجيوسياسي بين أمريكا والصين التي تعتبرها عقبة بعد نجاحها في أوروبا تفكر في بناء أول مصنع لها في المجر، وقفزت مبيعاتها إلى نحو 4.25 مليون سيارة في 2024 لتضيق الفجوة مع منافستها تسلا في مبيعاتها السنوية البالغة نحو 1.81 مليون سيارة في سباق تصدر مبيعات السيارات الكهربائية، فيما تعاني شركات عالمية تقليدية مثل نيسان وفولكس واجن وستيلانتيس من تراجع مبيعاتها داخل الصين، إلى جانب تباطؤ في التحول نحو السيارات الكهربائية، ستساعد القفزة الأخيرة لبي واي دي في ترسيخ مكانتها بين كبار صانعي السيارات عالميا، كما أن مبيعاتها تضعها على مشارف التفوق على فورد وهوندا من المتوقع أن تتجاوز إيراداتها السنوية حاجز 100 مليار دولار. تمر الصناعة الألمانية بمرحلة عصيبة في قدرتها التنافسية التي تتبعها الحكومة في تقليل النفقات خصوصا بعد توقف الغاز الروسي الرخيص، فانخفضت مبيعات سيارات فلوكس واجن بنحو 4.7 في المائة في 2024 تسبب في ضجة كبيرة في ثاني أكبر مصنع سيارات في العالم بسبب الزحف الصيني بعدما أصبحت السيارات الصينية رائدة في السيارات الكهربائية، بعدما انتشلت ألمانيا القارة الأوروبية، كما انخفضت عوائد سيارات مرسيدس نحو 8 في المائة، بعدما تحولت الصين على نحو غفلة إلى لاعب في صناعة السيارات ووفق تقرير صادر عن شركة (DSR) للاستشارات أنه بحلول 2030 سترتفع حصة السيارات الكهربائية في مبيعات السيارات الجديدة في أوروبا إلى 40 % وفي الصين إلى 50 %.
تواجه صناعة السيارات أحد أحجار الزاوية في الاقتصاد العالمي تحديات جسيمة، فقد أدت أسعار قطع الغيار المرتفعة، واضطراب سلاسل التوريد، والتأثير المتزايد للشركات الصينية، إلى خلق مشهد مرتبك يعيد تشكيل صناعة السيارات، وهناك فرصا عديدة لصناعة السيارات في السعودية بسبب امتلاكها العديد من المقومات التنافسية، فهي بحاجة إلى شركات عالمية ناجحة تنضم على جانب شركة لوسيد الرائدة في تصنيع السيارات الكهربائية إلى برنامج صنع في السعودية لتصبح وجهة رائدة للتصنيع المبتكر، وهو ما يعكس التحول الاستراتيجي الذي تشهده السعودية في بناء منظومة متكاملة لصناعة السيارات الكهربائية، لتمكين القطاعات الواعدة وجذب الاستثمارات النوعية في الصناعات المتقدمة، من أجل أن تصبح السعودية وجهة محورية لتصنيع السيارات الكهربائية، مدعومة ببنية تحتية حديثة، وسياسات تحفيزية، وموارد بشرية مؤهلة، لتعزيز دورها عالميا للصناعات المستقبلية، بما يسهم في زيادة المحتوى المحلي، والصادرات غير النفطية، وتوطين الصناعة ونقل المعرفة.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية سابقا بجامعة أم القرى