خالد بن حمد المالك
لم يبق أمام الرئيس الأمريكي المنتخب سوى أيام معدودات، ويحط رحاله في البيت الأبيض، رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية للمرة الثانية بعد انتصارات مدوِّية في الانتخابات الأمريكية، إذ إنه لم يترك لمنافسته فرصة لالتقاط الأنفاس، لا هي ولا حزبها الديمقراطي، رغم كل ما سبق الانتخابات من تهم ومحاكمات للرئيس ترامب، ومحاولات لتصفيته جسدياً.
* *
كانت حظوظه بحسب الاستطلاعات قبل بدء التصويت لا تمنحه الفرصة للعودة ثانية رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، لكنه حقق فوزاً ساحقاً، لم يترك من خلاله ما يمكن اعتباره أخطاء أو تجاوزات للتشكيك في صحة ونزاهة الانتخابات، ما جعله في تصريحاته يخرج عن المعقول وعن طوره، مهدداً ومتوعداً من يفكر بمعارضته، أو عدم القبول بأفكاره.
* *
فالرئيس ترامب يطالب بضم كندا إلى أمريكا لتصبح الولاية رقم 51، بينما جاء الموقف الكندي سريعاً بأن ذلك لن يحدث، وأن كندا لن تتخلى عن استقلالها أمام تهديد ترامب، كما أعلن أنه بصدد السيطرة على قناة بنما، وكان الرد عليه بأن هذه الأطماع لن يكتب لها النجاح، وكذلك فقد أعلن عن نيته شراء جزيرة غرينلاند، وكان الرد عليه كما فعل الآخرون.
* *
ولم تقتصر شطحات الرئيس ترامب على ذلك، فقد كان للمكسيك نصيبها من التهديدات للرئيس ترامب، فقد صرح بأنه سوف يغيِّر خليج المكسيك إلى خليج أمريكا، وكان رد رئيسة المكسيك بشكل ساخر على هذا التصريح المثير للجدل كغيره من تصريحات ترامب، بأن ترامب يعيش في الماضي، وقالت متهكمة (أمريكا المكسيكية)، (هذا ظريف فيما يبدو).
* *
هذه التصريحات الاستفزازية، وهذا التوجه في سياسة الرئيس ترامب التي ستكون عليه خلال فترة ولايته الثانية رئيساً لأمريكا، لا تخدم السلام والاستقرار في العالم، وإنما تشجع القوى العظمى باحتلال أراضي جيرانها، وتهديد أمنها واستقرارها واستقلالها ووحدة أراضيها.
* *
وأمريكا وهي الدولة الأولى في العالم عسكرياً واقتصادياً لا يُفترض فيها أن تستقوي على غيرها، ولا أن تهدد استقلالها، ووحدة أراضيها، في حين أن مكانتها في العالم تقتضي منها أن تكون قائدة للسلام والأمن والاستقرار في العالم، وهو ما لا يتحقق بمثل هذه التصريحات للرئيس ترامب التي تسبق تسلمه لمهامه الرئاسية.
* *
ومع أن تحقيق ما أعلن عنه الرئيس الأمريكي المنتخب، يعرِّض مصالح دول للخطر، ويتعارض مع منطوق التاريخ، فإنه في المقابل يفتح الطريق لخلافات وصراعات، وهي بمثابة قنبلة موقوتة لزعزعة الأمن في العالم.
* *
لقد كان الرئيس الأمريكي في رئاسته الأولى يفاخر بأن أمريكا لم تدخل في حروب، وهو الآن يتحدث بوصفه زعيماً لديه الحل في إنهاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وفي هذا ما يجعلنا نقول للرئيس إن مثل هذه التصريحات هي التي تجنب العالم من ويلات الحرب، وتحد من الصراعات والخلافات بين الدول، لا التهديد بإلغاء دول ومسميات من التاريخ.
* *
وهذا يقودنا أيضاً إلى تصريحه المتسرِّع بأن على حماس أن تسلِّم فوراً ما لديها من رهائن قبل اليوم الأول من تسلّمه للرئاسة، وإلا فعليها انتظار الجحيم، بدلاً من أن يبادر إلى مساعدة الطرفين على وقف القتال وتبادل الرهائن بالحوار، والعمل على تحقيق وتنفيذ خيار الدولتين، ومنع إسرائيل من ضم الضفة الغربية إلى الكيان الإسرائيلي.
* *
لعل ما صرح به الرئيس ترامب هو من باب الإثارة، والأسلوب الشعبوي، وتحت ضغط من الفريق الذي يعمل معه، ودون وضع حسابات لما يترتب على مواقف اندفاعية كهذه، مما لم يُحسب لها حساباتها المدمرة في مثل هذه التصريحات.