عبدالله إبراهيم الكعيد
قبل أكثر من ثلاثة عقود كان شعار أحد أسابيع المرور في المملكة «لا تنشغل بغير الطريق». سبب اختيار هذا الشعار ملاحظة ارتفاع نسبة وقوع حوادث مميتة بسبب انشغال السائق بما يدور داخل السيارة وصرف انتباهه عمَّا يحدث خارجها.
اليوم كثرتْ أسباب الانشغال بغير الطريق، فالانتقال من البحث عن أشرطة الكاسيت زمان مضى إلى متابعة الأفلام المسجَّلة على أقراص (السي دي)، ثم أخيراً الخطر الأشرس الهاتف المحمول (الجوال). هناك أناس تكتب وتتراسل أثناء القيادة سواء داخل المدن أو على الطرق خارجها وهو ما سبب ويُسبب وقوع مآسٍ كثيرة. يحدث أن أركب مع أحدهم فيتناول هاتفه كي يرد على رسالة وردت إليه فأقول: لو سمحت «لا تنشغل بغير الطريق» فينظر لي باستغراب ويؤكّد أنه مركّز تماماً على ما يدور أمامه!
في كل مرّة أُنبّه إلى معلومة علمية وردت في أكثر من دراسة توضّح كيفية رد الفعل التلقائي للفرد من لحظة رؤيته لخطر محدق حتى توقف المركبة تماماً. ومن يريد الاستزادة في هذا الموضوع ما عليه إلا أن يعود للمصادر والدراسات العلمية المحكمة التي توضح كيف يتلقى دماغ الإنسان الإشارات وكم يستغرق من وقت حتى يُصدر ردود الفعل المطلوبة.
بكل اختصار لا مانع أن أوضّح مرّة أُخرى ميكانيكية ما يحدث فيما لو لاح خطر فجائي أثناء قيادة السيارة فأقول بأن الإنسان في تمام حضوره الذهني أي لا يكون مستلب العقل بفعل تأثير الكحول أو المخدرات أو حتى بعض الأدوية وما في حكمها يحتاج إلى ثلاثة أرباع ثانية كي يصدر دماغه الأوامر برد الفعل المناسب. يعني لو توقفت فجأة سيارة تسير أمامه فإن العينين تنقلان هذا الخطر إلى الدماغ فيقوم بدوره بتحليل الحالة ويبعث بأوامره عبر النخاع الشوكي الذي يرسل هذه الإشارات لليدين أو القدمين للقيام بالتصرف المطلوب كل هذه العملية المُعقَّدة تتم بأقل من ثانية. فهل يمكن للذهن المشغول بشاشة الجوال القيام بتلك المهمة على أكمل وجه؟ هذا إذا افترضنا أن الظروف مناسبة. أما في الحالات الطارئة كأن تكون الرؤية غير واضحة بسبب الضباب أو العواصف الرملية أو أن يكون الطريق زلقاً بسبب الأمطار الخفيفة فمن المؤكّد أن تكون مسافة التوقف أكثر بكثير في الحالات الطبيعية. السؤال الذي يُفترض أن يسأل كل منّا نفسه: هل هناك ضرورة قصوى تُحتم بأن نفتح الهاتف أثناء قيادة السيارة كي نُجيب على رسالة أو نتابع ما يُرسل إلينا من رسائل. ثم ما هي الحاجة المُلحّة والضرورية التي تستوجب كتابة رسالة نصيّة أثناء قيادة السيارة؟ حالات الطوارئ المستعجلة تكون في المعتاد عبر مكالمة صوتية وأيضاً بكل اختصار.
الموت بسبب حوادث السيارات أقرب للإنسان من حبل وريده.