د. سامي بن عبدالله الدبيخي
كتبت منذ عقدين عن ضرورة تبني مشروع المترو بمكة، واستعرضت تجارب مدن عالمية نجحت في هذا الأمر بعضها كان سياقها يكاد يماثل حالة مكة في جوانب عدة كمدينة زيوريخ بسويسرا. ويبدو أن الحاجة لفكرة المترو كوسيلة ضرورية للنقل العام والاستثمار في مدينة مكة تزداد إلحاحاً مع الزمن. فمستهدفات الرؤية 2030 تركز على استيعاب زيادات معتبرة في أعداد الزائرين من الحجاج والمعتمرين. أضف لذلك التوجه الاستراتيجي للتخطيط المستقبلي لمكة المكرمة الذي يتبنى أساساً فكرة المحاور والمراكز الفرعية مع تكريس المركزية القوية لمنطقة الحرم. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن فكرة الاعتماد على الحافلات قد أثبتت التجربة محدوديتها كوسيلة لنقل الأعداد الضخمة للحجاج والمعتمرين في مكة والمشاعر بسبب شدة الاختناقات مما يدعو بإلحاح لدعم منظومة النقل العام بشبكة لمسارات المترو. إن المبدأ التخطيطي القائم على المحاور والمراكز لا يستهوي فقط أهل الاختصاص من المخططين وإنما أيضاً أصحاب الأعمال من المستثمرين. ذلك أن هذا المبدأ يتكامل تماماً مع مبدأ تطوير مشروع المترو مما سيشكل رافداً قوياً لجذب الاستثمارات بسبب ما توفره هذه الوسيلة من سهولة الوصولية للاستعمالات والأنشطة الموزعة على المحاور وفي المراكز. إن مشروع المترو سيعاضد الحافلات وسيزيد من أعداد الزبائن والمستهلكين من زوار وسكان وحجاج ومعتمرين وسيوسع مسافة التغطية للأنشطة الاقتصادية والخدماتية بسبب تيسير الوصولية من مختلف مناطق المدينة. ومعاضدة المترو للحافلات سيجعل المستثمرين من المطورين العقاريين مقتنعين بأداء شبكة النقل العام وفاعليتها وتقديم قيمة إضافية للمناخ الاستثماري للمدينة.
وهناك مسوغ آخر لإدراج المترو كفرصة استثمارية واعدة ويتمثل في التضاريس الجبلية المحيطة بمكة مما يؤكد قوة بنيتها المركزية وارتفاع الكثافة السكنية بها مما يجعل فكرة مشروع المترو مجدية اقتصادياً وجاذبة استثمارياً. ولعل نجاح النقل العام في تجربة مدينة زيوريخ المشابهة أبلغ دليل على أن ذات النجاح سيكون حليف مشروع المترو في مكة المكرمة (مقالانا المنشوران عام 2007: «الطفرة الاقتصادية تدعم الحاجة للنقل العام في مكة والمشاعر» والآخر «في مكة المكرمة.. تكامل النقل العام مع المشاعر والقطار السريع بات مطلبا ملحاً لتحقيق الفاعلية»).
لا شك أن الفرص الاستثمارية الغنية التي استعرضناها في مقالنا (مكة المكرمة: مدينة غنية بالفرص الاستثمارية الواعدة) سيتضاعف زخمها لتستقطب المزيد من المستثمرين إذا ما تم تسهيل الوصولية إلى المنشآت وما تضمه من كثافة استعمالات متنوعة وموزعة على المحاور والمراكز التي ستشكل أيضاً محطات رئيسة لمسارات المترو. ولنا في مترو الرياض خير مثال على ما تعد به تجربة مساراته في المدن الرئيسة وموضح في مقالنا (قطار الرياض.. إلهام من مدرسة سلمان). المترو كغيره من وسائل النقل العام، بدايتها مشي ونهايتها مشي. وحيث أن الغالبية من زوار مكة هم إما معتمرون أو حجاج فإن توفير المترو سيساهم في توزيعهم على كافة مناطق المدينة مما يخفف الضغط والتكدس في المناطق القريبة من الحرم والمشاعر. كما أن توزيعهم على المدينة سينعش الحركة الاقتصادية في كامل مناطقها ويتيح فرصاً استثمارية إضافية خارج نطاق المنطقة المركزية ليخلق توازناً محموداً في توزيع الأنشطة والخدمات على المحاور والمراكز مما يضفي وجاهة أكبر للاستراتيجية التخطيطية المستقبلية لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وخصوصاً في ضوء جاهزية الدراسات الشاملة للمترو بخطوطه ومحطاته.