هيفاء صفوق
- قد يسأل الفرد منا هل العزلة اختيار، أم هي أقدار ترغم الفرد على ذلك فتقتحم حياته دون سابق إنذار؟
- ربما لا يهم الجواب، بقدر أن ندرك كيف كانت تلك العزلة، ولماذا يعيشها البعض بكل تفاصيلها، وماذا أضافت تلك العزلة، وهل ساهمت في إزاحة الستار عن الحجب المخفية في داخل الإنسان، هل أزالت تلك الغشاوة التي ربما لا يراها الكثير في مخالطتهم للآخرين، لذا كانت العزلة محطة مؤقتة ليظهر كل شيء أمام عين الإنسان؟
- للعزلة نوعان، مؤقتة ودائمة، وكلاهما له خصائصه وسماته التي تميزه عن الآخر، لكن العزلة المؤقتة تضيف الكثير للفرد، لأنه يستطيع فيما بعد العودة ومخالطة الآخرين، فهذه سمة إنسانية بشرية لدى جميع البشر، بينما العزلة الدائمة وإن كانت اختيارية فهي طريق ألا عودة، وفيها من الوحشة والوحدة والقساوة مع النفس.
- العزلة المؤقتة أحيانا تأتي باختيار، وأحيانا مرغما عليها، لا يدرك الفرد منا لم عليه أن يعيشها بكل تفاصيلها، وفي حقيقة الأمر العزلة تصفي مرآة القلب والعقل، ويعود الفرد على الفطرة التي تشاهد كل الظروف والتغيرات والأشخاص والمواقف على حقيقتها، وكما يشاهد نفسه بكل عيوبها وتقلباتها ومزاجها، وكأن هذه العزلة أزاحت ستارة الأحكام والمخاوف والسيطرة، وهنا تكمن القوة فيما يتعلمه الفرد من هذه العزلة، بأن يرى الأشياء كما هي دون مبالغة أو نقصان.
- وربما تكون العزلة مع ذات الفرد وهو في وسط عالم كبير من البشر، يشعر بها وهو معزول نفسيا عنهم، فلا تخضع عزلته للمكان، بل لهذه الذات التواقة لشيء ما تبحث عنه.
- ربما لا نستطيع مشاهدة الصورة الكبيرة لكل شيء كالطريق الذي لا ترى منه غير بدايته فلا تعلم كيف تكون نهايته حتى تبلغ كامل الطريق، وهكذا هي العزلة، لا نعرف لماذا تأتي، ولكن سنعرف عندما نخرج منها بسلام مع كل المعاني العميقة التي ستعلمنا الشيء الكثير من المعرفة والحكمة والادراك بعيدا عن التضخيم والاحكام.
- في ذات الإنسان تكمن الجواهر والمعاني العميقة، قد لا تظهر بسبب حالة الفوضى والتشتت التي نعيشها في عصرنا الحالي، وسرعة تلقي المعلومات وسرعة توافد الأحداث من كل جانب، حتى أصبح الفرد في حالة من الركض الذي لا ينتهي، فاختفت معه تلك المعاني القيمة في الحياة.
- الأكيد أن معرفة الفرد لذاته لن يأتي بيوم وليلة، بل سنوات من العمر، بالتجربة، ومنها تلك العزلة التي تطرق أبواب البعض منا، العزلة تعري كل تلك الأفكار والقناعات سواء كانت عن نفسك أو عن الآخرين، فهي تكشف لنا كل الأقنعة اننا بشر نخطئ ونصيب، نقوى ونضعف، نكره ونحب، ربما هذه العزلة تجعلنا نقف أمام تلك المرآة بصدق لنرى انعكاساتها مع أنفسنا ومع الآخرين بالفعل بالقول بالتصرف، بالعيوب وبالإيجابيات، فهي خليط لكل شيء تكشف الحقائق كما هي.
- كما تعلمنا أن نرى الحياة بواقعية أكثر، بعيداً عن الدراما أو البهجة، بل نشاهد شيئا أعمق، وهي قوانين هذه الحياة، وقوانينها ليست مفردات تكتب، بل تجربة يعيشها الفرد، فتفهم تلك المعاني العميقة، ومنها معنى الرحمة، الحرية، الصدق، العدل، التخلي، العطاء، التسامح، كل تلك المعاني لن يفهمها الفرد من مجرد كتاب قرأه، بل سيدرك ذلك من خلال التجربة التي ربما أن البعض يستاء ويغضب منها، ولكنها أتت لتعلمنا شيئا مما نحن فعلا نحتاج أن نتعلمه وندركه، ومن ضمنها أيضا تعلم السبب والنتيجة لكل قول وفعل نقوم فيه، البعض يعيش زاوية الحياد لكنها أيضا مؤقتة، لأن ما بعد الحياد هناك عمل عظيم للإنسان أن يقوم فيه، لأن وجودنا في الحياة لم يكن عبثيا.
- من أهم الأشياء التي تبعدنا عن المعاناة والسخط فهم وأدراك المرحلة التي يعيشها الفرد، وكيفية التعامل معها حتى يتجاوزها، وعندما يتجاوزها بهدوء سيدرك حينها حقيقة كل المعاني التي لا تقال، بل تعيش ونعيش من خلالها لفهم كيف نتعامل مع ذواتنا ومع الآخرين ومع الحياة.