سعيد أبو جلوي
طُويت صفحة حكم الأسد وبقيت آثار وشواهد الدكتاتورية في قصص درامية لا تكاد تصدق، رواها الشعب السوري الجريح ونقلتها وسائل إعلام مختلفة عن فترة حكمهم الدامي، الذي قُتّل فيها مئات الآلاف من المواطنين وعذب في سجونهم آلاف آخرون على مر تلك السنين العجاف، وتم تهجير ملايين إلى خارج وطنهم، لتبقى جراح الشعب مكشوفة لا ضماد لها إلا بالانتصار على ذلك النظام وإسقاطه والعودة إلى سوريا ما قبل حافظ الأسد، وبالفعل تم تحقيق آمال الشعب السوري المكلوم واستعادة أرضه المخطوفة لشعبها الأصيل، وطرد فلول النظام المجرم والميليشيات التي استوردها بشار لحماية عرشه منذ قيام الثورة السورية مطلع العقد الماضي عام 2011، وهرب الرئيس وأصبح لاجئاً بالخارج، وعاد المواطنون إلى وطنهم بعد أن كانوا لاجئين بالخارج، وتحل معادلة العدالة الإلهية في سنّة من سنن الله التي لا تتبدل ولا تتغير.
إلا أن نهاية الحكم المستبد لا يعني بالضرورة بداية حقيقية لقيام سوريا جديدة ناجحة ومستقرة، سياسياً، فلا زال الوقت مبكراً للوصول إلى ذلك، فهناك صعوبات حتمية ستمر بها الدولة المهترئة سياسياً وأمنياً واقتصاديا ومخاوف لابد من العمل على تجنبها أو تحييدها، فوجود طوائف متعددة وأعراق مختلفة قد يجعل من سوريا عرضة لوجود اختلافات كثيرة حتى لو ظهر في بادئ الأمر أن هناك توافقا وتسامحا ووئاما بين السوريين، فقد تكون تلك ردة فعل ايجابية ناتجة عن نشوة الانتصار، وقد نشهد بعد ذلك ظهور أعراض الحزبية وتصفية الحسابات وتتدخل الأيادي الخفية لتحقيق مصالحها الخاصة، ناهيك عن احتمال نشوء التكتلات السياسية ذات الولاءات الخارجية التي قد تؤثر على سير العملية السياسية، واختيار رئيس أو تحول دون تشكيل الحكومة، مما قد يُحدث فراغاً سياسياً على غرار ما هو حاصل في لبنان.
ومن التحديات التي قد تواجه السوريين هو احتمال ظهور منظمات انفصالية ذات عقيدة جهادية بعيدة عن إطار الدولة، ونظراً لكبر مساحة سوريا ووجود مناطق بعيدة ونقص خبرة الحكومة الحالية في إدارة وإحكام السيطرة على كافة المناطق في البلاد وغياب جهاز أمن محكم للإدارة الحالية، فإن ذلك الخطر وارد الحدوث، خصوصاً أن هيئة تحرير الشام كانت عبارة عن حركة جهادية، وتم تحويرها على عدة مراحل إلى أن وصلت إلى شكلها الجديد، ثم استولت على حكم سوريا ونجحت في كسب ثقة العالم ودعمه وفتح قنوات اتصال لبناء علاقات دولية، فقد يكون ذلك دافعاً قوياً لخروج جماعات على نفس النهج في مناطق ترى هذه الجماعات أنها أحق من هيئة تحرير الشام في حكمها أو بسط نفوذها عليها.
وفي المقابل، يأتي الوجود العسكري الأمريكي والتركي في سوريا بمبررات منع نشوء المنظمات الإرهابية كـ داعش وحزب بي كاكا الذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية، إلا أن هذه الحجج أصبحت واهية، وخصوصاً مع ما صاحب عملية ردع العدوان التي قامت بها هيئة تحرير الشام من دعم واضح أو خفي كلتا الدولتين ضد نظام الأسد، فمن البديهي الا يتم ذلك دون وجود أطماع أو حتى مصالح داخل سوريا، ويأتي تدخل الجيش الإسرائيلي واحتلاله المنطقة العازلة المحاذية لهضبة الجولان المحتلة ليشكل عائقاً من نوع آخر دون بسط نفوذ الإدارة الحالية أو الحكومة القادمة على كامل الأراضي السورية، وبالتالي قد يمهد وجود تلك القوى لتقديم تنازلات على حساب الطرف السوري، أو الخروج بمذكرات تفاهم تنهي النفوذ الأجنبي العسكري داخل الأراضي السورية مقابل بعض الضمانات الامنية قد تتعهد بها الحكومة القادمة.
ومن الناحية الاقتصادية، ومع وجود إرث كبير من الفشل الاقتصادي التراكمي الناتج عن الحروب الطويلة وعن فساد النظام السابق بالإضافة إلى عقوبات قيصر التي أثقلت كاهل الاقتصاد السوري، سيجد محمد البشير نفسه على مفترق طرق غير نافذة مما قد يصعب عليه مهمة وضع خطة عمل لإنعاش الاقتصاد الميت أصلاً في ظل إفلاس خزينة الدولة من احتياطات النقد الخارجية، بالإضافة إلى التضخم الهائل في البلاد وانخفاض سعر الليرة أمام الدولار خلال 13 عاماً الماضية نتيجة الحرب الأهلية، مما قد يضطر الحكومة إلى الدفع نحو طلب الدعم الدولي من بعض الدول الداعمة أو طلب عقد مؤتمر للدول المانحة لإعمار البلاد وتحسين البنية التحتية.
وفي حال تخطت الإدارة الحالية كل ما قد تجده من صعوبات وتحديات فسيبقى السؤال الذي قد يكون محدداً لحجم كل ما قد يواجهها من المعوقات هو:
ما الذي تنوي الحكومة الحالية عليه في تشكيل ائتلافها الحكومي؟
هل ستكون هناك أحزاب سياسية أم دينية أم مكونات عرقية؟ أم طوائف.. أم دولة قانون؟ أم أنها ستتجه إلى خيار الحكومة العلمانية، ولو بشكل مبدئي لكسب التأييد والدعم العالمي للمساعدة على إعمار البلاد وقيام الدولة!