د. محمد بن إبراهيم الملحم
استعرضت فيما سبق عينة يسيرة من الدراسات الدولية حول أسباب ترك المعلمين لمهنة التدريس، واتضح أن هناك عوامل مشتركة عبر العالم، وحيث لم أعثر على دراسات سعودية تصب في هذا المجال بشكل مباشر، فقد لجأت إلى بعض الدراسات التي تتناوله بشكل غير مباشر وربما تعكس جانباً أو آخر من أسباب ترك المهنة، ففي عام 2021 أجرى فريق أعناب السعودي للأبحاث دراسة بعنوان «هل تجلب مهنة التعليم في السعودية مكانة اجتماعية مرموقة ورضا وظيفي؟» https://blog.aanaab.com/jobsatisfaction وتوصلت فيها إلى أن النتائج كانت بشكل عام إيجابية، فنحو 64 % قالوا: إن عملهم بصفتهم معلمين يمنحهم شعورًا بالرضا، و68 % قالوا: إنها تجلب لهم إحساسًا بالفخر. وفي حين أن 51 % قالوا: إن عملهم يكسبهم مكانة اجتماعية مرموقة، ولكن 33% فقط قالوا: إن المجتمع يقدر ويحترم المعلمين. وقد كان الذكور أقل رضا وفخرا بالمكانة الاجتماعية من الإناث، كما كان المعلمون والمعلمات الأقل عمراً (أقل من 40 سنة) أكثر قابلية لترك مهنة التعليم لو توفرت لهن فرصة أخرى مما يدل على أن المهنة ليست جاذبة للجيل الجديد وتخلو من الشغف، وإنما تمثل استجابة للحاجة إلى الوظيفة لا أكثر.
وقد ذكر نصف المعلمين فقط أن مهنة التعليم كانت هي اختيارهم الأول عن قناعة ورغبة، بينما النصف الآخر ذكروا أنهم كانوا مضطرين لاختيار مهنة التعليم، وقد أجاب نحو 46 % بشكل صريح أنهم سيغيرون مهنة التعليم إن تسنت لهم فرص وظيفية أفضل في مجالات مهنية أخرى.، وهذه نسب كبيرة لا تعكس حالة جاذبة للمهنة، ولاشك أنها تشي بوجود نوع من التصور السلبي نحوها، وحيث إنه لا توجد مؤثرات نعرفها في مجتمعنا تقلل من شأن التعليم: فالدين الإسلامي الذي يتمسك به ويحترمه أغلب أفراد المجتمع يعلي شأن هذه المهنة ويقدرها ويدعو لها، كما أن التقاليد العربية والموروث الثقافي يقدر قيمة من يعلم الناس، فإننا نستطيع أن نتوقع أن سبب ذلك يعود إلى التجربة الذاتية للفرد نفسه عندما كان طالبا فهو يرى معلميه ليسوا في أفضل حال، ولا يتمتع أغلبهم بقدر كاف من الاحترام أو التقدير داخل المدرسة سواء من الطلاب أنفسهم أو ربما من بعض الأفراد الآخرين، كما أن الأجور لا تقابل كمية الجهد الذي يبذله المعلم مقارنة بغيره من الموظفين كالمهندسين والمحاسبين والقانونيين مثلاً، وخاصة عندما نتكلم عن المعلم المخلص المتميز المجتهد والجاد، الأمر الذي يدعو هذا الطالب مستقبلاً ألا يختار مهنة التعليم. ويعزز ذلك ما ذكرناه آنفاً أن المعلمين الأصغر من 40 عاماً كانوا أقل رضاً عن مهنتهم ومكانتهم الاجتماعية بصفتهم معلمين، مما يعني أن الجيل الجديد عندما كان على مقاعد الدراسة راقب هموم الجيل السابق من المعلمين، وتكونت لديه نظرة سلبية نحو مهنة التدريس.
ولأجل التعرف على سبب قد يبدو وجيها في تباين آراء المعلمين وهو الرواتب فقد لجأ فريق البحث إلى التحقق من مدى وجود علاقة في التباين بين رواتب المستجيبين فتبين أن من رواتبهم أكثر من 10 آلاف ريال لم تختلف إجاباتهم عن أولئك الذين رواتبهم أقل، مما يدل على أن الأسباب ليست مادية وإنما تعود إلى شيء آخر معنوي غالبا، وهذا أيضا يعزز التحليل السابق.
وهناك دراسة تحليلية 2019 حول «تسرب المعلمين من مهنتهم في بعض دول الخليج العربي» من إعداد د. أحمد زينهم من المركز القومي للبحوث التربوية (https://journals.ekb.eg/article_192742_3eff31e8896c63c61936c2c5fafa6073.pdf) توصلت إلى أن أسباب تسرب المعلمين من مهنة التدريس تمثلت في: قلة الحوافز المشجعة سواء الحوافز المالية أو الوظيفية، والمساواة بين المعلم المتميز مع المعلم العادي، وقلة المعاش الذي يحصل عليه المعلم بعد التقاعد، إلى جانب التباين الواضح بين آمال المعلم وتطلعاته في بداية العمل وبعد ممارسة العمل، وكثرة الاجهاد من مهنة التدريس باعتبارها مهنة شاقة، إضافة إلى تشويه صورة المعلم في وسائل الإعلام، وغياب المساواة في توزيع المعلمين على المناطق التعليمية والمدارس، وطريقة معاملة أولياء الأمور مع المعلمين.