خالد بن حمد المالك
لا يريد الثنائي الشيعي أن يُسلِّما بما آلت إليه الحرب في لبنان، والتطورات في سوريا، وتأثير ذلك على قدرة إيران على دعم حزب الله، ولا يزال الثنائي يعيش على الماضي، ويحاول أن يستحضره، ويملي به شروطه على مستقبل لبنان.
* *
لقد تغيَّرت المعادلات، واستجدت أمور كثيرة على التكتلات، ولم يعد الأمر كما كان عليه الوضع بعد إضعاف حزب الله، واضطراره إلى القبول بنزع سلاحه، إثر مقتل أمينه العام والكثير من قياداته، والقضاء على مراكز قوته، بما فيها سلاحه.
* *
وكان عليه أن يتفهم ذلك، ويدرك أنه لم يعد الثلث المعطّل، ولا القوة التي تمنع اختيار رئيس البلاد ما لم يكن مرشحها، ولا ذلك الثنائي الذي يملك مع حلفائه القدرة على تعطيل تشكيل الحكومة، وبالتالي فعليه، الانخراط مع بقية الأحزاب، وفهم متطلبات المرحلة، والاستجابة لما يراه الآخرون.
* *
أتفهم أن الثنائي مصدوم بهزيمة حزب الله ومقتل أمينه وقادته وإضعاف قوته، وتأثير سقوط الأسد في سوريا مع توقف تزويد الحزب بالسلاح كما كان معتاداً، وأتفهم أن الحزب كان مضطراً للقبول باتفاق مع إسرائيل ينزع منه السلاح، ويمنعه من التواجد على الحدود مع إسرائيل، ولكن لا أفهم وهو في هذا الوضع محاولاته لعدم ترشيح عون رئيساً للبلاد، وإظهار غضبه مع حركة أمل من ترشيح نواف سلام رئيساً للحكومة، والثنائي بهذا الوضع.
* *
فحين يقول رئيس حركة أمل، رئيس مجلس النواب، بأن هذا ليس ما اتفقنا عليه مع تسمية رئيس الحكومة، بينما يرى رئيس الجمهورية جوزيف عون بأن هذا الاختيار تم وفق عملية ديمقراطية، فلا يمكن بذلك القول بأن كسر أي مكون، إنما هو كسر لبنان، إلا إذا كان الهدف من ذلك خلط الأوراق، والشيطنة على التوجه الصحيح للحفاظ على لبنان.
* *
وحين لا يشارك الثنائي الشيعي في المشاورات الملزمة لتشكيل الحكومة الجديدة، فهذا موقف لا يخدم لبنان، ولا يعيده إلى مساره الصحيح، ولا يحرره من هيمنة وتحكم الخارج في مفاصل الدولة، حتى وإن سارع حزب الله وحركة أمل إلى التأكيد بأن عدم مشاركتهما في المشاورات لاختيار رئيس الحكومة لا يلغي استعدادهما للمشاركة في تشكيل الحكومة الجديدة.
* *
ومن الطبيعي لمن تهمه مصلحة لبنان، ويحرص عليها من اللبنانيين قبل غيرهم، وأياً كانت رؤيته، عليه عدم وضع العراقيل أمام تشكيل الحكومة، خاصة وأن رئيس الحكومة المرشح أكد على عدم إقصاء أو إبعاد أي طرف من الحكومة المقبلة، وأن يده ممدودة للجميع، موضحاً أن من أولويات الحكومة إعادة بناء ما هدمه العدوان الإسرائيلي في المناطق التي كان يُوجد فيها حزب الله، وتنفيذ القرار 1701 وحصر السلاح بالدولة، وبسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، وتحقيق العدالة لضحايا مرفأ بيروت.
* *
الثنائي لا يريد فتح ملف مرفأ بيروت، ولا يريد نزع سلاحه، وليس مع تطبيق القرار 1701 ولا يريد بسط سلطة الدولة على جميع الأراضي اللبنانية، ولم يصح بعد على أن عليه أن يقبل بالمستجدات، والتحولات الجديدة، وأن ما كان في الماضي لم يعد ممكناً أن يكون في الحاضر والمستقبل، وأن المطلوب من جميع اللبنانيين تقبّل ما استجد، والانخراط بالعملية الإصلاحية في لبنان، إما بالرضا، وإما بغير ذلك، مع السياسة الجديدة.
* *
هناك ضمانات بعدم إقصاء أي طرف في الحكومة المقبلة، وهذا تأكد في خطاب القسم للرئيس جوزيف عون وفي تصريح المرشح لرئاسة الحكومة نواف سلام الذي أكد فيه أنه ليس من أهل الإقصاء، وإنما هو من أهل الشراكة، فلِمَ خوف الثنائي الشيعي من المستقبل، وما الداعي لإملاء اشتراطات معيقة قد تؤخر تشكيل الحكومة؟!
* *
لبنان أمام مرحلة مفصلية، يراقب العالم ما يمر به من تطورات، ويتدخل لصالح أمنه واستقراره ووحدة أراضيه، ويدعمه ليتعافى اقتصادياً، ويعيد بناء وترميم ما هدمته الحرب، ويجعله جزءاً من محيطه وأشقائه في تعاون غير مسبوق، وعلى اللبنانيين جميعاً وعلى الثنائي تحديداً اقتناص الفرصة، والتمسك بما ينقذ لبنان من مآسيه.