عبدالرؤوف توتي بن حمزة
في زمن أصبحت فيه التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من نسيج حياتنا، يعد الإنترنت نافذة واسعة تُطل بنا على عوالم التواصل والمعرفة والترفيه وغيرها ما يلاحقها. ومع هذه المزايا الهائلة، يتولد هناك جانب مظلم لا يمكن تجاهله، وهو ظاهرة «الإساءة الإلكترونية» التي باتت تحديًا خطيرًا يهدد الأفراد والمجتمع، لا سيما الأطفال والشباب. فهذه الظاهرة التي تتخذ أشكالًا متعددة عبر المنصات الرقمية لا تكتفي بتأثيراتها السلبية على المستوى النفسي والاجتماعي فقط، بل تفرض علينا مواجهة بشكل مسؤولي من خلال تعزيز الوعي، ووضع ضوابط صارمة، وترسيخ ثقافة الاستخدام الآمن للفضاء الإلكتروني.
تُعد الإساءة عبر الإنترنت من أخطر مظاهر الاعتداء التي أنتجها عصر التكنولوجيا الحديثة، إذ تشمل كافة أشكال الإيذاء والانتهاك التي تحدث في فضاء العالم الرقمي، باستخدام الأجهزة المتصلة بالشبكة كالحواسيب والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وغيرها إلى ما لا نهاية. وتتغلغل هذه الظاهرة في مختلف المنصات الرقمية، بدءًا من مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة، ومرورًا بالبريد الإلكتروني وغرف الدردشة، ووصولًا إلى الألعاب الإلكترونية والبث المباشر. وتتنوع صور الإساءة الإلكترونية، حيث تستهدف في غالبها الفئات الأضعف، لا سيما الأطفال والشباب. ومن أبرز أشكالها التنمر الإلكتروني الذي يقوم على استخدام المنصات الرقمية للإهانة أو المضايقة بشكل متكرر ومتعمد، والإساءة العاطفية التي تتجلى في التلاعب النفسي أو الإهانة بغرض الإيذاء العاطفي. كما تشمل هذه الظاهرة نشر أو إرسال محتويات جنسية غير لائقة، والتحرش عبر الإنترنت، واستغلال الأفراد، خاصة الأطفال والشباب، لأغراض غير أخلاقية أو لتحقيق مكاسب مادية. إن التصدي للإساءة الإلكترونية بات ضرورة ملحة لحماية الأطفال والشباب، ولضمان بناء بيئة رقمية تُعزز من نموهم النفسي والعاطفي في أجواء آمنة. كما أن فهم طبيعة هذه الإساءة، والتعرف على إشارات الخطر المرتبطة بها، واتخاذ خطوات استباقية فعّالة، يساهم في تقليل الآثار السلبية العميقة التي قد تتركها على حياة الضحايا بحدٍّ ما.
لكن المسؤولية في هذا الإطار لا تقع على فرد بعينه، بل هي واجب جماعي تشترك فيه الأسر، والمعلمون، والمجتمع بأسره. فالوعي المستمر واليقظة الدائمة هما الركيزتان الأساسيتان لحماية كل طفل من مخاطر هذا العالم الرقمي المتغير. كل طفل يستحق أن يعيش محاطًا بالأمان بعيدًا عن التهديد، وأن يُرشد نحو مستقبل مشرق تزدهر فيه أحلامه في ظل بيئة تصون كرامته وتحترم حقوقه.