عبدالله صالح المحمود
السياسة لم تعد كما كانت؛ لعبة تحالفات وصراعات تقليدية على طاولة مستديرة. العالم اليوم يواجه أزمات مركّبة ومتداخلة: تغير المناخ، الأوبئة، الصراعات الاقتصادية، والتوترات الجيوسياسية. كيف يمكن للسياسة أن تتطور لتصبح أداة للنجاة لا للصراع؟
على مدار العقود الماضية، تطورت السياسة من صراع على السلطة إلى ساحة لإدارة التعقيدات، بينما كانت الحروب المقياس الأساسي للنفوذ، أصبحت اليوم مرونة الدول وقدرتها على التكيف مع الأزمات هي معيار النجاح.
الأزمات الحالية ليست مجرد تحديات آنية، بل هي اختبار للقيادات السياسية واستراتيجياتها. على سبيل المثال، التغيرات المناخية ليست مشكلة بيئية فقط، بل مسألة سياسية تمس سيادة الدول وقدرتها على تأمين مواردها، وفي ذات السياق تعيد الصراعات التكنولوجية بين القوى الكبرى تشكيل موازين القوى العالمية.
في عالم معقد كهذا، يبدو أن «الحياد» في السياسة أصبح خيارًا نادرًا.
تواجه الدول الصغيرة، على وجه الخصوص تحديًا يتمثل في اتخاذ مواقف مرنة تحفظ مصالحها دون الانجراف نحو محاور القوى المتصارعة. الحياد هنا لا يعني الوقوف بلا حراك، بل تطوير استراتيجيات توازن بين المصالح الوطنية والعالمية.
إذا كان القرن العشرون عصر السياسة التقليدية، فإن القرن الحادي والعشرين هو عصر السياسة التفاعلية.
ما هي السياسة التفاعلية؟
إنها نهج سياسي يعتمد على المرونة والاستجابة السريعة للأزمات من خلال أدوات حديثة. هذا النهج يتطلب من القادة:
1 - الدبلوماسية الرقمية: استخدام التكنولوجيا للتواصل مع الشعوب وتوضيح المواقف السياسية، بالإضافة إلى التعاون الدولي عبر منصات رقمية تفاعلية.
2 - الشراكات الابتكارية: إقامة شراكات بين الدول والمنظمات الدولية والشركات الخاصة لتقديم حلول مبتكرة للأزمات، مثل الابتكار في مصادر الطاقة أو تطوير نظم صحية استباقية.
3 - إدارة الأزمات عبر الذكاء الاصطناعي: استخدام الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالأزمات واتخاذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة.
حلول عملية لمواجهة الأزمات:
1 - تطوير تحالفات إقليمية مرنة: يمكن للدول الصغيرة إنشاء تحالفات ذات طابع اقتصادي وتنموي بدلاً من التحالفات العسكرية التقليدية. على سبيل المثال، تطوير شبكة إقليمية للتعاون في مجالات الغذاء والطاقة.
2 - الاستثمار في البنية التحتية المستدامة: الاستفادة من الأزمات المناخية كفرصة لتطوير مشاريع مستدامة تقلل الاعتماد على الموارد التقليدية، مثل مشاريع الطاقة المتجددة.
3 - تعزيز التعليم حول الأزمات المعاصرة: يجب أن تُدمج مفاهيم إدارة الأزمات، مثل التغير المناخي والتكنولوجيا، ضمن المناهج التعليمية لتهيئة أجيال أكثر وعيًا واستعدادًا.
4 - دعم الابتكار المحلي: تحفيز الابتكار عبر منح وفرص تمويل للمشاريع التي تقدم حلولًا ذكية لمشكلات مثل نقص المياه أو التلوث.
5 - إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية: لتكون أكثر استجابة للأزمات، وذلك بإنشاء فرق عمل متخصصة لإدارة الأزمات تجمع بين الكفاءات التقنية والسياسية.
في عصر الأزمات، السياسة ليست فقط علم إدارة الأزمات، بل فن البقاء والاستمرار. الدول التي ستنجح ليست الأقوى عسكريًا فقط، بل الأكثر مرونة واستباقية.
تبني أدوات السياسة التفاعلية وتطوير حلول مبتكرة يعكس فهمًا أعمق للتحديات المستقبلية.
السؤال الأهم الآن: هل الدول مستعدة لبناء سياسة مستقبلية تأخذ في اعتبارها التعقيدات الإنسانية والبيئية والاقتصادية التي نعيشها؟