أ.د.عبدالرزاق الصاعدي
ذكرتُ أن الفوائت نوعان، قطعية وظنية، وهنا يرد سؤال: ما شروط النوعين لاستحقاق وصف فائت قطعي أو ظني؟
الجواب: للفوائت القطعية شرطان:
أولهما أن يأتي اللفظ أو الدلالة في نصٍّ قديم في زمن الفصاحة، كأنْ يأتي في شعر لشاعر في عصور الاحتجاج، أو في نثر ناثر من الفصحاء، أو في نص للغويٍّ موثوق.
والثاني: أن يكون اللفظ أو الدلالة مما أخلّت به المعاجم القديمة، بدءًا بمعجم العين وانتهاءً بمعجم تاج العروس، فإنْ ورد في أحد المعاجم تلك انتفت عنه صفة الفوات.
أما الفوائت الظنية فلها ثلاثة شروط:
أولها: المقياس اللفظي، وأعني به بناء الكلمة في أصواتها وصرفها، فلا بدّ من موافقة ما جاء في كلام العرب زمن الفصاحة، أصواتا وصرفا، فمثلا كلمة: (حَقَطَه يحقطه) إذا ربطه أو ضيّق عليه، فحروف الكلمة تشير إلى أنها من حاقّ كلام العرب، وكذلك (الخشير بمعنى الشريك) عربية الصوت والبنية.
وثانيها: المقياس الدلالي: وهو أن تكون الدلالة مما هو مألوف في حياة العرب في عصور الاحتجاج، فإن كانت الدلالة لشيء حادث في العصور المتأخرة، مما جدّ في الحياة، عرفنا أنها دلالة محدثة، ونجد في الأمثلة السابقة (يحقط والخشير والجغود) أن الدلالة من مألوف العرب، وليست دلالة حادثة بعد أزمان الفصاحة.
وثالثها: المقياس الجغرافي: وأعني به بيئة اللهجة، فإن كانت اللهجة واسعة الانتشار معروفة في قبائل أو بيئات متفرّقة فإن ذلك يرجّح رسوخها فيهم عند تحقق الشرطين السابقين، فكلمتا (الخشير والجغود) منتشرتان في قبائل الجزيرة وبيئاتها، وكذلك (يحقط) وإن كانت أقل انتشارا، فقد وجدناها في أكثر من بيئة في نجد وأطراف الطائف وحائل وضفاف الخليج.
فإن كانت الكلمة محصورة في قبيلة أو بيئة واحدة فحسب دعانا ذلك إلى التوقّف عن وصفها بالفوات الظني، على الرغم من أن اللغويين أثبتوا ألفاظا لا تُعرف إلا في قبيلة واحدة، لكن ليس لنا اليوم أن نفعل ما فعلوه؛ فهم في زمن الفصاحة، وعلينا اليوم أن نستوثق من أمر كل كلمة أو دلالة، وإن كنا في بلاد المنبع.