محمد العشيوي - «الجزيرة»:
في عالم تتساقط فيه أوراق الحب والخيانة مثل أوراق الشجر في فصل الخريف، جاء مسلسل «خريف القلب» كلوحة درامية تنبض بالألوان الدافئة للحب والبرودة القاسية للصراعات الإنسانية، منذ لحظاته الأولى، استطاع هذا العمل أن يخطف الأنظار عبر منصة «شاهد»، متربعًا على عرش الترند، ليحكي قصة ليست مجرد حكاية عابرة، بل انعكاس لعمق التحولات البشرية والاجتماعية التي تسكن في أعماقنا جميعًا، قد يكون المسلسل مستوحًى من الدراما التركية الشهيرة «حطام»، لكنه لم يكن مجرد نسخة عربية باهتة، (خريف القلب) أخذ الرواية الأصلية وأعاد صياغتها بلغة قريبة من القلب السعودي، ممزوجة بثقافة محلية أصيلة تضرب بجذورها في أعماق المجتمع العربي.
منذ الحلقة الأولى، غرق المشاهدون في عالم تتداخل فيه الأزمنة بين الماضي الذي يصر على أن يترك بصمته على الحاضر، والحاضر الذي يحاول جاهدًا أن يخلق فرصًا جديدة رغم القيود، إنه عمل يروي صراعًا بين طبقتين قصر مترف في شمال الرياض، وأحياء متواضعة تحمل قصصًا منسية، حيث تتشابك الحكايات لتكشف عن قضايا إنسانية عالمية ومآسٍ قريبة من المجتمع.
في حين أن كل شخصية في المسلسل كانت أشبه بلوحة فنية نابضة بالحياة، من بينهم النجم عبد المحسن النمر، بعمق أدائه، جسّد شخصية الأب الممزق بين واجباته وصراعاته الداخلية، والمتألقة إلهام علي التي استطاعت بلمساتها التراجيدية أن تقدم شخصية تعكس قوة المرأة في مواجهة الألم، وفيصل الدوخي ، ولبنى عبد العزيز وغيرهم من نجوم الدراما السعودية، قدموا كيمياء درامية أضفت على العمل أبعادًا إنسانية مبهرة، هؤلاء لم يكونوا مجرد ممثلين، بل رواة لحكاية المجتمع بين الأمل والطموح، ما جعل كل مشهد يبدو وكأنه مرآة تعكس جزءًا منا، وما يميز «خريف القلب» ليس فقط قصته، بل تفاصيله البصرية التي تأسر الأنظار، القصر الذي يطل شامخًا في أحد أحياء الرياض الفاخرة، يشكل نقيضًا صارخًا للأماكن الأخرى التي تنضح بالفقر والمعاناة، حتى الأزياء والتفاصيل البسيطة جاءت مدروسة بعناية، لتعكس الفوارق الاجتماعية بين الشخصيات، ولتضيف إلى القصة طبقة جديدة من المعاني التي تُقرأ بين السطور، ليكون عملاً يُعيد صياغة مفهوم الدراما السعودية، مُبرزًا قضايا تتراوح بين الفوارق الاجتماعية، الصراعات العائلية، والتحديات التي تواجه المرأة في مجتمع متغير.
ولعل أداء إلهام علي، الذي كان بمثابة العلامة الفارقة في العمل، يعكس هذه الرؤية العميقة، فقد قدمت شخصية تراجيدية مفعمة بالمشاعر، جعلت المشاهد يشعر وكأنها تجسد أوجاعنا وخيباتنا، بينما كان المسلسل التركي «حطام» يُحدث ضجة في العالم منذ أكثر من عقد، جاءت النسخة السعودية لتعيد تقديم القصة بأسلوبها الخاص، محافظة على الجوهر، ولكن بإضافة نكهة محلية عصرية.
(خريف القلب) ليس فقط اقتباسًا، بل تجربة إبداعية تعيد صياغة العلاقة بين الرواية الدرامية والجمهور، ليؤكد أن الفن قادر على تجاوز الثقافات وصياغة قصص عالمية برؤية محلية، تجعل المشاهد يشعر بأنها قصته الشخصية، إلا أن المسلسل ليس مجرد عمل يروي قصة، بل هو رحلة في أعماق المشاعر البشرية، ومع تصاعد الأحداث ووصولها إلى الحلقة 60، يثبت العمل أنه أكثر من مجرد دراما عابرة، إنه انعكاس لما يمكن أن تقدمه الدراما السعودية من إبداع وإلهام، في مشهد يترقب فيه المشاهدون كل لحظة بفارغ الصبر، لتظل أوراق الخريف تتساقط، كاشفة عن المزيد من الحكايات التي لم تُحكَ بعد، توقيت المسلسل جاء ليكون تحدياً لما سيكون في سباق المارثون الرمضاني، ليترقب المشاهدون أعمالاً تشابه تلك القصة التي تمكنت من خوض تجربة تراجيدية جذابة قبل انطلاق المسلسلات الرمضانية في تحدٍّ سيكون مثيراً بين النجوم.