عبدالمحسن بن علي المطلق
لا جديد بالعنوان أو حتى تلقى جدالا عليه، إذ حسبهم أن معركة الحياة وضعت أوزارها معهم ولذلك لا سبيل بعد هذا الخطب للشحناء، وها هنا سوف أُجلّي عن مقصدي..
ففي الأمس رحل (كارتر) رئيس أمريكا في الفترة 1977/ 1981، وهو المعروف لارتباط اسمه بمفاوضات السلام بين إسرائيل ومصر التي عُرفت بعدها بـ»كامب ديفد»(1) وكم أشغله، ثم بعد جهود حثيثة ومضنية لجمع البلدين المتحاربين.. معا من أجل السلام، وعلى إثرها نال مع السادات جائزة نوبل.. (للسلام)، كما شارك بتلك الجهود التي مرّت بولادة متعسّرة!.. وزير خارجيته يومها «فانس»، الذي لكم صال بالمنطقة، وجال!، وبالمناسبة فإني أوردها لا تأييدا، ولا رافضا، لولا أنّه حدث في عصرنا، فأخذ الإعلام منه كل مأخذ، وهكذا التاريخ لا يسطّر إلا البصمات التي تأخذ وقتا قبل أن تضمحلّ..
وهاكم أخرى «غورباتشوف».. الذي شغل منصب رئيس الدولة في الاتحاد السوفيتي السابق، وكان يدعو إلى إعادة البناء، ما عُرفت بـ(البريسترويكا)، وشاركه رئيس أمريكا يومها «ريغان».. لإنهاء الحرب الباردة وحصل على جائزة نوبل للسلام عام 1990. ثم آتت -البريسترويكا - ثمارها في 26 ديسمبر 1991 .. (عندما توارى الاتحاد السوفيتي في صفحات التاريخ) وهكذا نجد تلكم ونظائرها من تبقي الأثر وإلا فهو يا للعجب لم يقم بمنصبه سوى عامين فقط بين عامي 1990 و1991 مقابل ملكة بريطانيا «اليزابيث الثانية» التي أمضت على العرش زُهاء السبعين سنة والتاج على رأسها، فيما كارتر (رحى مادتي).. رحل عن 100 عام من العمر، فلا يُذكر له سوى تلك المعاهدة.. مع نشاط داخلي بالكاد يُعرف..!
والأعجب أن تلكم الـ(قرن) من العمر.. أو النعيم الذي كانت به (ملكة) لبريطانيا.. لكأنها لو سألتهما لما زاد جواب أحدهما.. إن هنّ هنّ كلحظات، ومضين»..!، والدليل أن ما يترك المرء من بصمات عما قليل من غيابه غالبا ما تتوارى عن ذاكرة التاريخ، سوى ما سطّر بالفعل فغيّر به، ثم على رغم امتداد العمر بصاحبنا، إلا أنه بالنهاية عصفت به كفّ القضاء -القاسية-، لأن المولى تعالى أخبر نبيه صلى الله عليه وسلّم بـ(وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ).. ثم وضّح {...أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} أي أيُؤمِّلون الخلود بعدك؟، لا..، هذا لا يكون، كما ومن قبل الموت قارعة أهون هي ما كُتب على هذا الإنسان الكبد في الحياة..
جاء في سيرةٍ لأحد الخلفاء وقد قارب حكمه الـ20 سنة، أنه «عدّ أيام الهناء (التي لم تُصب بكدرٍ) فإذا هي لا تربو على العشرين يوما إلا بقليل»!
وإن فاضت على من أغفل عن هُدى ربّه وعطبها وحلاً وضنكا.. مهما وفّرت له حياته أو معطياتها (من سعادة)، فيكفيه غمّـا، وألما معنويا ثقيلا لا يكاد ينسى.. إنه بيوم آتٍ نعم لا يدر متى (يحلّ)، فيدع كل هذا بلا أي مقابل آخر وهذا و(الحمد لله) خلاف حال المؤمن الذي وإن نال حياة هادئة، إلا وتجده في سعادة أكبر ما ينتظره متى ما ترك هذا- الذي بين يديه- و..على كلّ هذا موضوع آخر، لكن القصد أنه ومهما أطال المرء بقاء وأتته من حظوظ الدنيا فهو بيوم راحل وتارك هذا الخير لمن يخاف إن كان مؤمنا ألا يُحمده له جُهده..
وإن لم يكن مؤمنا واستطاع تسيير ما وراءه، فهو ذاهب إلى ما لا يعلم..!، وأُقصر لأني- أكرر- ليس هذا مصبّ مقالتي..
وعودا لمرام شاهر دفع هذه الأسطر نحو وجهته/ أنه نعى (كارتر).. الذي بالأمس هاجمه «ترامب»- المتوّج هذه الأيام برئاسة أخرى -، وسبحان الله، إن كان مما أخذه -ترامب- عليه نفس الذي (هو وقع به)!، أي عدم استطاعته في المحافظة على الكرسي لفترة ثانية، بالبيت البيضاوي..!
والشماتة يا ناس عجيبة، فأهلنا بنجد يصفونها «مدّ باليد»..، أو كمن يقول عطني مما أخذتُ به.. عليك!
فعاد اليوم عليه مُثنيا، لعل بهذه دلالة (مقولة): الموتى موضع ثناء فكان مما قال عنه (إنّه كان ذا نشاط.. ولم يتوار عن الساحة كغيره)، يقصد القادة الذين انتهت فترتهم الرئاسية، فاحتجبوا..
والشاهد مُصادقٌ لمن صاغ (اذكروا محاسن موتاكم).. بالطبع لأنهم رحلوا، ومن ساحة المنافسة انسحبوا، ليخلو الجو..
ثم إن لهذه من الدلالات تشفّ عن أن غالب العداوات ليست صِرفة!، بل لمؤثرات تجتذبها، ما قد يزيد من أوارها كلما كان الندّ قويا!، ولا غرو فهي -الدنيا- قائمة على المنافسة، ولا أُحبذ لفظة الصراع وهاكم جلاء أكبر قررته الآية {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ} الآية، أي أنت تحافظ على ممتلكاتي لأني سأحافظ على ممتلكات وِفق (لا يرمي بالحجارة من بيته من زجاج)، إن كلا عنده ما يخاف عليه، والنبي عليه الصلاة والسلام بسط هذه بالتالي/ يوم أتى من يستأذنه بالزنى..، سأله (أترضاه لابنتك..) حتى قال له النبي (كذلك الناسُ لا يُحبُّونَه لبناتِهم) الحديث ثم إن المدافعة شقيقتها المنافسة، ويكّ(2). إن لسان الحياة مخبرا وعن واقعها مبلّغا (من هو أهلٌ، فحياه الله، وإلا فليتوارى) ويُبقي بقية من ماء الوجه لأن كم ممن يقدم على مثقلات (لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ)(3) وهو يدري عن مقدّراته و..!، وقد حفظ التاريخ من حاول وهو ليس بصاحب مقدرات، فكانت الهزيمة بانتظاره، أو هي إن لم تصبّح عليه مسّت، ليمسى كمن هو في خبر كان!
وإن كان الغرب لهم من مقدرات الحياة اليوم، فإن يلحقهم من تبعات تؤخذ عليهم، أي الذي يرفل به القوم هذا الألق (الديمقراطية)! لأنها وحدها سبب علو كعبهم، وقد كتب عن هذه الميزة التي حازوها الأستاذ (خالد المالك) رئيس تحرير «الجزيرة»، تحت عنوان/ نهاية الديمقراطية، في العدد المؤرخ بالأوّل من شهر رجب، أن.. (ممارسات وسلوكيات الغرب في التعامل الانتقائي مع حقوق الإنسان، والعدالة، والحرية، والديمقراطية، والموقف من محكمة العدل الدولية، وشراكته في العدوان على الدول والشعوب..) إلى أن يخلص أن وجه (ديمقراطيتهم..) أو دعواهم بها تجعلها إما بشكل مباشر أو غير مباشر، في مهب ريح المصداقية، حين يماسّ واقعها التطبيق لها!، بخاصة أُكرر أنها لا سواها (المنقبة) التي جعلت لهم بين العالم احترام، وإكبار فتأتي لكن اختبارات من هنا أو تقع هناك لتجعلها على المحكّ، من خلال الانتقائية في (ممارستها)..(4)، و لعله الذي أتى بقاصي تلك الدعوى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) لأنها وُقعت بمنتجع يحمل ذاك الاسم- قرب واشنطن العاصمة(62 ميلا عنها).
2) لفظة (وَيْكَأَنَّ ): «وي» منفصلة من كأنّ، كقولك للرجل: وَيْ أما ترى ما بين يديك؟ فقال: «وي» ثم استأنف، كأن الله يبسط الرزق، وهي تعجب، وكأنّ في معنى الظنّ والعلم، فهذا وجه يستقيم.
3) عن الضحاك عن ابن عباس، في قوله: ( لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ) قال: لتثقل بالعصبة.
4) لا عجب، فكم ممن يدعي شيئا، وإذا الامتحان فاضحٌ لما..!