بدر بن عبدالمحسن المقحم
أشرت في مقالة سابقة إلى أن يوم الأحد 7-6-1446هـ الموافق 8-12-2024م يعتبر يوماً لا تنساه ذاكرة التاريخ السوري الحديث، حيث سقط حكم الأسد وسقط معه كل إرثه الأسود المليء بالقتل والتعذيب والتهجير والتدمير للشعب السوري العربي الأصيل بكل مكوناته الدينية والعرقية والمذهبية والقبلية، حيث صادر هذا النظام الهالك ماضي وحاضر هذا الشعب الأبي وسعى للقضاء على مستقبله، ويعتبر زوال هذا النظام، مع ما سبقه من القضاء على الصف الأول من كوادر حزب إيران في لبنان وما يمتلكه من أسلحة وعتاد تم تدميرها على عن طريق الجيش الإسرائيلي، تغيراً جيوسياسياً على مستوى المنطقة برمتها خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ارتباط هذا النظام الدموي بولاية الفقيه في طهران الذي أسهم بشكل كبير في التفاني في حماية الأسد وأعوانه وقدم كل سبل الدعم السياسي والعسكري واللوجستي، بل قد يكون لعب دور الوصي عليه في إدارة شؤون الدولة السورية، كما شكَّل التحالف الروسي مع رأس هذا النظام فرصة بقائه عقداً من الزمان عندما كاد أن يسقط عام 2015م لولا تدخل موسكو العسكري وتضحياتها الجسيمة في الحفاظ عليه، وبالنظر إلى هذه الممارسات الإيرانية والروسية في الأراضي السورية نجد أن واشنطن هي الأخرى رسخت أقدامها في الجهات الشرقية من سوريا بالتعاون العسكري مع الأكراد السوريين (قسد) مستخدمة مظلة قوات التحالف الدولي ضد داعش المشكلة عام 2015م مبرراً لوجودها ووسيلة لاستخدام الورقة الكردية فيما يحقق مصالحها ويضمن وجود رعاة لها في الداخل السوري الأمر الذي جعل تركيا الجار الملاصق لسوريا والذي تبلغ حدوده الجغرافية معها ما يجاوز (800كم) تتوجس خيفة من تطلعات الأكراد سوريا من نزاعات انفصالية عن الدولة الأم وقد يثير هذا أيضاً الأكراد في الداخل التركي لذات التطلعات ولاسيما أنهم يشكلون أكثرية عدد الأكراد في العالم، حيث يبلغ عددهم أكثر من (35 مليون نسمة). وبناءً عليه فإن مثل هذه الأحداث والتداخلات الإقليمية من شأنها أن تفتح على المنطقة الكثير من الاحتمالات، فخسارة إيران على الساحة السورية وانقطاع شريانها الرابط بين طهران وبغداد ودمشق ثم لبنان يعني أنها خسرت ثلثي هذا الشريان بما تحمل هذه الخسارة من نفوذ عقائدي لها وسياسي وعسكري واقتصادي وفكري وثقافي ليس فقط فيما يخص سوريا فحسب وإنما مجمل منطقة بلاد الشام، حيث سخّرت في هذا السبيل كل إمكاناتها لدعم ميليشياتها السلحة في تلك البلدان ولعناصر تدين بالولاء للمرشد الإيراني ناهيك عن تدخلاتها المستمرة وتأجيج الصراعات الداخلية في هذه الدول دون أية اعتبار لسياداتها الوطنية أو المواقف المعارضة من الجانب العربي الرسمي لمثل هذه الممارسات والتي تعكس في حقيقتها منطق الثورة المعروف عن إيران وليس منطق الدولة، كما أن روسيا يتوقع تقليص وجودها ولن يكون على مستواها السابق البتة لكنها ستفتح آفاقاً جدية مع العراق إضافة إلى تعزيز تعاونها الإستراتيجي مع طهران وبصورة قد تكون لافتة للانتباه وبما يزيد من مسألة التوترات في حوض الخليج العربي، أما تركيا فستعمد إلى توثيق صلاتها مع النظام الجديد في دمشق بقصد تضييق الخناق على (قسد) والحيلولة دون محاولاتهم الانفصالية التي قد يكون لهم حقوق خاصة مستقبلاً في إطار الدولة السورية الموحّدة للنظام الجديد أسوة بما هو حاصل في كردستان العراق، وبالنسبة لإسرائيل المهدد الأبرز للأمن الوطني السوري فإنها عملت على استغلال فرصة أوضاع النظام السوري الجديد وأقدمت بالاستيلاء على جبل الشيخ وتجاوزات اتفاقية فك الاشتباك في هضبة الجولان المبرمة بينهما عام 1974م وهذا مما يصعد الموقف معها ويثير المخاوف في محاولات الكيان الصهيوني قضم المزيد من الأراضي السورية، وفي ظل هذا التشابكات السياسية والتنافس على المصالح بين الأطراف الإقليمية والدولية على سوريا والخطط التي تعدها تلك الأطراف لتحقيق أهدافهم يبقى مستقبل سوريا في يد أبنائه بمختلف مكوناتهم العرقية والمذهبية والثقافية والذين عليهم مسؤوليات الحفاظ على بلدهم من أي تدخلات أجنبية والسعي لدرء أي تهديد للجبهة الداخلية من التفكك والاصطفاف الوطني لبناء سوريا المستقبل تنموياً واجتماعياً وعلمياً وبما يخدم الوطن الواحد ويخدم استقرار المنطقة وأمنها. أن سوريا بحكم عمقها العربي والإسلامي تحتاج إلى المزيد من الدعم العربي على كافة الصعد وألا يترك الفراغ السوري لأطراف أجنبية لأن أمن المنطقة لا يحميه إلا أبناء المنطقة، وقد أحسنت المملكة صنعاً عندما أقامت جسراً جوياً إغاثياً وإنسانياً للشعب السوري الشقيق رغبة منها في تضميد بعض جراحه والوقوف معه في هذا الظرف العصيب، ودعت يوم الأحد 12-7-1446هـ الموافق 12-1-2025م لاجتماعات الرياض حول سوريا الذي أكد في بيانه على تقيم كل ألوان العون والمساعد للشعب السوري وبما يحقق تطلعاته نحو الاستقرار، وأقتبس (...كما بحثلمجتمعون دعمهم لعملية انتقالية سياسية سورية تتمثَّل فيها القوى السياسية والاجتماعية السورية تحفظ حقوق جميع السوريين وبمشاركة مختلف مكونات الشعب السوري، والعمل على معالجة أي تحديات أو مصادر للقلق لدى مختلف الأطراف عبر الحوار وتقديم الدعم والنصح والمشورة بما يحترم استقلال سوريا وسيادتها، أخذاً بعين الاعتبار أن مستقبل سوريا هو شأن السوريين، مؤكدين وقوفهم إلى جانب خيارات الشعب السوري، واحترام إرادته. كما عبّر المجتمعون عن قلقهم بشأن توغل إسرائيل داخل المنطقة العازلة مع سوريا والمواقع المجاورة لها في جبل الشيخ، ومحافظة القنيطرة، مؤكدين أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها).
إن المرحلة التاريخية التي تمر بها سوريا تقتضي الالتفاف على أمهات المسائل والسعي لتحقيقها ومن أبرزها/ الملف الدستوري، والملف الأمني، والملف التنموي، وملف عودة اللاجئين إلى ديارهم وهذه تحتاج إلى وحدة الصف السوري وإعلاء مصالح الوطن على المصالح الشخصية أو الفئوية الضيقة، وإطلاق مبادرة تهدف لتأسيس صندوق عربي يسهم في تنمية سوريا وتأمين عودتها للحضن العربي، وتقديم كل التسهيلات الممكنة لاجتياز المرحلة الانتقالية وقيام دولة على أساس وطني محبة للسلام ووفق دستور متفق عليه عبر حوار سوري - سوري بكل مكوناته وفئاته بعيداً عن الحزبية أو المناطقية أو الطائفية أو المذهبية.