رمضان جريدي العنزي
الكلمة الطيبة، أثرها طيب، وريحها طيبة، ووقعها جميل، وهي جواز سفر إلى القلوب، يهَشُّ لها السمع، وتُسر بها النفسُ، وينشرح لها القلب، وتطمئن بها الأرواح، فحواها طيب، وربحها فواح، وثمرها ناضج، وهي مثل الشجرة الطيبة، ظلها وارف، وعطاؤها جميل، عكس الكلمة الخبيثة، تمجها الآذان، ويتورم بها اللسان، وتكتئب بها النفوس، توقد النيران، وتحطم الوجدان، وتفرق الجماعات، وهي مثل الشجرة الخبيثة، لا طل لها، وبها شوك وسوس، إن الكلمة الطيبة، لا تخرج إلا من الإنسان الدمث الخلوق، صاحب الخصال الجميلة، والمناقب الجليلة، والمواقف الثابتة، والأقوال الصادقة، ورجاحة العقل والفكر، وصفاء القلب، الذي لا تهمه صغائر الأمور، ولا توافه الأشياء، لا يتكبر ولا يتعالى ولا تأخذه العزة بالإثم، ولا يأخذه الغرور، حضوره مثل كلامه، يعطر الأجواء، ويطيب الأنحاء، ييسر الصعيب، ويذلل كل عسير، يتفاعل مع الأنام، ويحل المعضلات، لا يهدأ ولا يفتر ولا يستكين، يتلألأ بالنور، ويزهر بالسرور، ويستقر بالأرواح والوجدان والقلوب، إن الإنسان العاقل الواعي المدرك الحكيم، يحب الكلمة الطيبة، والجملة الحسنة، وينحو نحو المحبة والسلام والوئام، ويكره العداوات والخصومات والمشاحنات، ويرفض الغل والأحقاد، ويمقت الفتن والوشايات وإشعال النيران بين الناس، لذا نراه يعيش الأمان والاطمئنان والراحة النفسية، بعيداً عن المناكفات والمشاغبات والمكائد والتأليب البغيض، والكلمة الطيبة التي تخرج منه تكشف عن رجاحة عقله، وصفاء قلبه، فيها خير ونفع للناس، بعيداً عن الضرر والمضرة، والفحش والبذاءة، والإضرار والإيذاء، والشتم والاستهزاء، إن الكلمة الطيبة، بعث بها الأنبياء والمرسلون، ليحثوا الناس على ما ينفعهم، ويحذرونهم مما يضرهم، والكلمة الطيبة تنير القلوب، وتضيء الدروب، وتفتح الآفاق، وتمد بالطاقة والإرادة والعمل، وهي القوة القادرة على التفوق والنجاح في أمر الدنيا والآخرة، فكم من كلمة طيبة أصلحت وأفرحت، وأخرى أحزنت وفرقت، وكم من كلمة أضحكت، وأخرى أبكت، وكم من كلمة بنت، وأخرى هدمت، وكم من كلمة شرحت الصدر، وأخرى قبضت الصدر، وكم من كلمة سرت، وأخرى أوحشت، قال - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (إن من موجباتِ المغفرةِ: بذلَ السلامِ، وحُسْنَ الكلامِ)، وقال - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (إنَّ أحدَكم ليتَكلَّمُ بالكلمةِ من رضوانِ اللَّهِ ما يظنُّ أن تبلغَ ما بلغت فيَكتبُ اللَّهُ لَه بها رضوانَه إلى يومِ يلقاه، وإنَّ أحدَكم ليتَكلَّمُ بالكلمةِ من سخطِ اللَّهِ ما يظنُّ أن تبلغَ ما بلغت فيَكتبُ اللَّهُ عليهِ بِها سخطَه إلى يومِ يلقاهُ).
قال الشاعر:
واحفظ لسانك واحترس من لفظه
فالمرء يسلم باللسان ويعطَب
وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن
ثرثاراً في كل ناد تخطب