د.عبدالله بن موسى الطاير
أمريكا والعالم يتطلعون بمشاعر مختلطة لهذا اليوم في التاريخ المعاصر، وهو يوم تنصيب الرئيس دونالد ترمب في فترته الثانية غير المتصلة؛ الرئيس 47 لأمريكا. يصادف يوم التنصيب كل أربع سنوات يوم 20 يناير، ويكون يوم 21 يناير إذا صادف يوم الأحد. ويُقام حفل التنصيب في مبنى الكونجرس وعادةً ما يكون في شرفة المبنى الخارجية أمام جموع غفيرة من الحضور، إلا أن البرد الشديد هذا اليوم في العاصمة سيجعل الاحتفال داخل قاعة الكونجرس.
تبدأ المراسم بأداء نائب الرئيس المنتخب اليمين، مكرراً القسم نفسه الذي يستخدم منذ عام 1884م، وعند منتصف النهار تقريباً يؤدي الرئيس المنتخب وفقًا للمادة الثانية من دستور الولايات المتحدة القسم الرئاسي.
لحظة حابسة للأنفاس لأن الرئيس المنتخب سيتحرك منذ تلك اللحظة وفقاً لوصف موقع بي بي سي البريطاني «بأقصى سرعة نحو تنفيذ أجندته الطموحة بعد تنصيبه». الرئيس ترمب صلب لا ييأس، وشخصية استثنائية لا تتكرر في السياسة الأمريكية، وخرج من جميع المعارك منتصراً، ولديه القدرة على تحويل الظروف غير المواتية إلى داعمة تسير في ركاب طموحاته.
ليس سراً أنه سيوقع ما يصل إلى 100 أمر تنفيذي في غضون ساعات من أداء اليمين الدستورية، وتلك الأوامر ستخض أمريكا والعالم خضاً، وستطال طيفاً عريضاً من سياسات الهجرة والحدود، إلى العمل المناخي والطاقة، والعملات المشفرة.
على الرغم من التصور السائد أن الرئيس الأمريكي مكتوف اليدين بموافقة الكونجرس على كل خطوة يخطوها، فإن أومر الرئيس التنفيذية لا تتطلب موافقة الكونجرس، ومع ذلك تتمتع بقوة القانون الصادر عن الكونجرس وتظل سارية الأثر حتى يتم إلغاؤها، أو إبطالها، أو إيقافها، أو انتهاء صلاحيتها. هناك، في الوقت ذاته، عدة طرق لتحدي أوامر الرئيس في المحاكم الأمريكية.
يتوقّع أن تشمل أوامر الرئيس التنفيذية في الساعات الأولى التجارة والاقتصاد كالرسوم الجمركية والعملات المشفرة، إذ يعتقد البعض أن ترامب سيتحرك بسرعة لإنشاء «مخزون بيتكوين» فيدرالي احتياطي إستراتيجي يعمل كـ «أصل وطني دائم لصالح جميع الأمريكيين».
في الشأن الشائك الذي سجل فيه نصراً على الديموقراطيين في الحملات الانتخابية، وهو الهجرة والحدود، فقد تعهد ترامب «بإطلاق أكبر برنامج ترحيل في تاريخ أمريكا»، بدءًا من اليوم الأول، وسوف يتحرك بسرعة لإعادة تنفيذ سياسة «البقاء في المكسيك»، التي أعادت حوالي 70 ألف طالب لجوء إلى المكسيك لانتظار جلسات الاستماع، أما أكثر الأوامر التنفيذية جدلاً فهو إنهاء حق المواطنة بالولادة، وهو حق دستوري منذ 150 عامًا وينص على أن أي شخص يولد على أرض الولايات المتحدة هو مواطن أمريكي، الرئيس المنتخب يعتبر هذا الحق سخيفاً، وتعهد بإلغائه في اليوم الأول، بيد أن هذا التوجه قد يكون أكثر صعوبة وقد تعترضه عقبات دستورية لأنه يمس وثيقة دستورية أساسية. ليس هذا وحسب، بل قد يلجأ الرئيس لإغلاق الحدود الجنوبية لأسباب صحية، إذ يسمح إجراء 1944م للحكومة الأمريكية بالحد من الهجرة لحماية الصحة العامة، وقد يتم البحث عن مرض من شأنه أن يساعد في تبرير إغلاق الحدود الجنوبية لأمريكا، وسيصدر الرئيس أمراً باستئناف بناء الجدار الجنوبي من حيث توقف.
سيلغي الرئيس ترامب في اليوم الأول، في مجال المناخ والطاقة، سياسات جو بايدن المناخية، وسينسحب مرة أخرى من اتفاقية باريس، وسيسمح بالتنقيب عن النفط، ولن يكون بذلك الحماس في سياسات التغير المناخي.
وفي يومه الأول سيتعامل بشراسة مع أجندات التنوع والجنس، وسياسات التنوع والإدماج بإصدار أمر تنفيذي لمنع التمويل الفيدرالي للمدارس أو المؤسسات الأخرى التي لديها برامج التنوع والإدماج، وسيحضر التمويل للمدارس التي تدرس «نظرية العرق النقدية»؛ تقول نظرية العرق النقدية إن العنصرية ليست مجرد نتيجة تحيز فردي، بل هي منهجية ومتأصلة في قوانين ومؤسسات المجتمع، مؤكدة أن العنصرية جزء لا يتجزأ من المؤسسات الأمريكية، مثل التعليم، والإسكان، والتوظيف، والرعاية الصحية، والقانون.
سوف تطال أوامر الرئيس التنفيذية الإجهاض، وحقوق المتحولين جنسياً، وهو دائماً ما يردد «جنون المتحولين جنسياً» في المدارس والرعاية الصحية، وتعهد على وجه التحديد بمنع النساء المتحولات جنسياً من المنافسة في الرياضات النسائية.
هذا اليوم 20 يناير 2025م سيرج فيه الرئيس المنتخب أمريكا والعالم رجاً، لكن باب السؤال سيبقى مشرعاً عمَّا إذا كانت أوامر الرئيس ستكون أكثر رشداً، بعد أن انتصر بها في حملته الانتخابية، وأوصلته ثانية إلى البيت الأبيض في ماراثون كان أشبه بالمهمة المستحيلة؟