عبده الأسمري
حول «النقد» إلى مشاهد من «البلاغة» وشواهد من «النباغة تكاملت في «تحولات» معرفية و»تبدلات» ثقافية كان فيها الشاهد الموثوق والصامد الواثق الذي وزع «مواعيد» «التأليف» على «أسوار» الإنتاج.
اعتلى «صهوة» التخصص فكان «عالي» المقام في شؤون الذكر ومتون التذكر رغماً عن تواضعه «الجم» الذي اقترن بحضوره وارتبط بتواجده في محطات عمره ودروب مسيرته.
واءم ما بين حسن الخلق وعلو الفكر حتى حصد «ثمار» السمعة بواقع «المعارف» ووقع «المشارف» في سيرة تجللت بدواعي «التفوق» ومسيرة تكللت بمساعي «التميز».
إنه الناقد والأديب الدكتور عالي القرشي -رحمه الله- أحد أبرز الأسماء الثقافية والأدبية في الوطن والعالم العربي.
بوجه «طائفي» الملامح تسكنه صفات «اللين» وسمات «اللطف» وتقاسيم «حجازية» تملؤها لمحات الحنكة وومضات الفطنة تتشابه مع أسرته «العريقة» الشهيرة بالمجد وعينان واسعتان تسطعان بنظرات «الذكاء» وأناقة تعتمر الهندام الوطني الأصيل وكاريزما تتقاطر خلقاً وأدباً وشخصية باهية الحضور نبيلة التعامل أصيلة التواصل رائعة التعامل، بديعة القول أنيقة اللفظ ولغة فصيحة تعتمد على «مخزون» لغوي زاخر بعبارات فصيحة و»مكنون» ثقافي فاخر، باعتبارات حصيفة وقول فصل في «منصات» النقد وخطاب بديع في «اتجاهات» الأدب، وتواجد مؤثر في «مجالات» الثقافة قضى القرشي من عمره عقودا وهو يؤسس لمرحلة فكرية جديدة، ويؤصل لأصول ثقافية متجددة مسخراً «معاني» النقد الموضوعي ومؤسساً «معالم» التدريس الجامعي ورافعاً «راية» اللغة العربية في محافل «الضياء» ومترافعاً عن «غاية» الثقافة الأصيلة في مواطن «الانتماء» أكاديمياً وناقداً وباحثاً وأديباً حفر أسمه في قوائم «المبدعين» في العلم والعمل والضياء والإمضاء.
في «الطائف» عروس المصائف الممهورة بأسماء «النبلاء» وسير «الفضلاء» ولد عام 1371 في يوم «شتوي» ملأ أرجاء الأحياء المتجاورة بعبير «القدوم» وأثير «المقدم» وارتفعت «أنغام» الأهازيج الطائفية في أرجاء «المدينة» الحالمة وسط مناسبات «مبهجة» توزعت في اتجاهات المكان والزمان.
أنصت القرشي طفلاً لصوت «النصيحة» في توجيهات والده الوجيه المشهور بالفضل والنبل والتي تحولت إلى «مشاعل» مضيئة أضاءت له طريق» الصلاح» ونهل من صدى «الحنان» في دعوات والدته التي كانت له «قناديل» ساطعة أنارت له درب «الفلاح».
تعتقت نفسه طفلاً بروائح «الورد الطائفي» وتشربت روحه عبق «العود المكي» وركض مدفوعاً بشقاوة «مبكرة» أضافت إلى طفولته مزيجاً من البراءة المشفوعة بصفاء «الصغر» و»نقاء» العمر.
ركض مع أقرانه بين أحياء مدينته مرتقباً مواسم «الحصاد» في حقول الرمان والعنب والتين ومنتظراً «مساءات» البركة في مجلس والده العامر بحكايات «الطيبين» ومرتقباً دعوات «الكادحين» وابتهالات «الفالحين» مع اضاءات «البكور» في حوانيت حارته ومنصتاً لمسامرات «المثقفين» في مجالس عشيرته جائلاً بين ثنايا «البيئة» العائلية العامرة بالامتاع والانتفاع.
أحب «القراءة» وعشق «المعرفة» ومضى يرتقب قدوم «الصحف» اليومية إلى دكاكين حيه العتيق لينهمك في قراءتها بعد نهاية يومه الدراسي ويحتفظ منها بقصاصات «البارزين» ومقولات «العلماء» ليخبأها بين كتبه الدراسية وظل يقتنص من نهاراته «الوقت المتاح» ويخصص من مصروفه «المال المفروض» لشراء الكتب المتخصصة والمجلات الأدبية ليرضي بها غروره الأدبي وفكره الناضج ويملأ بها «فراغ» تساؤلات باكرة كانت «انطلاقة» لفلسفة لاحقة تجلت من «عمق» النبوغ المبكر.
تلقى القرشي تعليمه الابتدائي بالمدرسة السعودية في وادي محرم، وتخرج منها عام 1386هـ ودرس المرحلتين المتوسطة والثانوية في دار التوحيد، وحصل على ليسانس اللغة العربية والتربية من كلية الشريعة بمكة المكرمة عام 1396هـ ولأنه مسكون بالعلا واصل دراسته حيث حصل على دبلوم في الإدارة والتخطيط التربوي من كلية التربية عام 1400هـ ثم نال درجة الماجستير من كلية اللغة العربية بجامعة أم القرى عام 1402هـ وحصل على الدكتوراه في البلاغة والنقد من جامعة أم القرى عام 1410هـ.
وعمل عضو هيئة تدريس بقسم اللغة العربية بكلية المعلمين بالطائف وأستاذ الأدب والنقد في جامعة الطائف وشغل عدة مهام، ومنها أمين جائزة الشاعر محمد الثبيتي للإبداع 2014 وعضو مجلس إدارة النادي الأدبي بمحافظة الطائف منذ تشكيله حتى عام 1430هـ. وعمل رئيساً للجنة الثقافية بجمعية الثقافة والفنون بالطائف، ومشرفاً على منتدى عكاظ ما بين عامي 1421 - 1427هـ وشغل منصب رئيس تحرير دورية (مجاز) التي تصدر عن نادي الطائف الأدبي منذ عام 1431هـ وعمل عضواً في هيئة تحرير دورية (سوق عكاظ) التي كانت تصدر عن نادي الطائف.
ومضى لسنوات عديدة يكتب مقالاته في زاوية (الكتابة والحكاية) الأسبوعية في جريدة الرياض. وأسهم القرشي في تأسيس ملتقى عكاظ الثقافي في جمعية الثقافة والفنون بالطائف، وجمعية إبداع في أدبي الطائف وكانت له اسهاماته الكبرة إعادة إحياء سوق عكاظ، وشارك في عدد من المؤتمرات والملتقيات داخل المملكة وخارجها وقدم العشرات من أوراق العمل والبحوث في عدة مناسبات وطنية وخارجية.
اهتم القرشي بالتأليف وقد أضاف للمكتبة العربية عدة مؤلفات حملت عناوين فريدة ومواضيع نوعيه حيث أصدر كتب المبالغة في البلاغة العربية وأنت واللغة وطاقات الإبداع والرؤية الإنسانية في حركة اللغة وشخصية الطائف الشعرية ورحلة الذات في فضاء النص الشعري القديم ونص المرأة وحكي اللغة ونص الكتابة وأسئلة القصيدة الجديدة، وكتاب عكاظ وحي الإبداع وتجليات الوعي بالاشتراك مع الدكتور عاطف بهجات وتحولات النقد وحركية النص، وكتاب تحولات الرواية في المملكة العربية السعودية الذي أصدره عام 2013، وحصل على جائزة وزارة الثقافة والإعلام للكتاب لعام 2014، وكتاب المنتديات الثقافية في منطقة مكة المكرمة) وأصدر القرشي أعماله الكاملة في نادي الطائف الأدبي عام 2021م.
ونظراً لسيرته الحافلة بالعطاء فقد كرمته جمعية الثقافة والفنون بالطائف بعد فوز كتابه (تحولات الرواية في المملكة العربية السعودية) بجائزة وزارة الثقافة والإعلام وحصل على شهادة التميز من جامعة الطائف في العام الجامعي 1428/ 1429هـ.
انتقل القرشي إلى رحمة الله يوم الثلاثاء 14 نوفمبر من عام 2023 الموافق 30 ربيع الآخر لعام 1445هـ في القاهرة عن عمر ناهز الحادية والسبعين وامتلأت منصات التواصل الاجتماعي وصفحات الصحف العريقة بالنبأ ورثاه رفقاء دربه وزملاء مهنته وأصدقاء مرحلته في عدة مقالات، وتم استعراض منجزاته ونجاحاته التي كانت «نقطة تحول» في المشهد الثقافي والشأن النقدي والتأليف الإبداعي.
امتاز «القرشي» بإنتاجه الفريد الذي شكل به مساره الخاص في علوم اللغة ومتون الأدب بروحه «الباحثة» عن «الابتكار» في تحولات الرواية وحركية النص وفضاءات الشعر وأسئلة القصيدة وأنسنة الفكر، فكان «فارساً» ثقافياً برتبة «ناقد» وممارساً» أدبياً بمرتبة «باحث»، وصاحب «رؤية» ثاقبة واعدة في هيئة «خبير».
عالي القرشي الناقد المهيب، والأديب اللبيب، والنجم الساطع في سماء «المعرفة» والاسم اللامع في آفاق «الثقافة».