بدر الروقي
على مقرُبَةٍ من ذلك المكان، يتكئ حنينٌ لايكادُ يُغادر مُخيلتي. يمضغُ لبان الذكريات بفمٍ يلهج بقداسةِ تلك اللحظات، وما زال ذاك المكان يصدحُ بصوته في مسمعي، ويتراءى كأعمدة دخان.
(الدكَّة) المكانُ الذي أُجزم أنَّ كثيراً منا افتقده، وافتقد لقاءاته الحميمة التي كانت تكتنفه، وتحمل حول جنباته أحاديث الآباء وقصصهم، والتفافات الجيران النابعة من أعماق التآخي، والعابقة من بستان التآلف.
الدَّكةُ كانت دار ندوة، ومنتدى عشيرة، ومجلس شورى... فوق أرضها تُطرح ملفات وقضايا الحي، واحتياجات الأهالي وتناقش بشكل يسوده الود ويحفه الصدق. كانت وما زالت شاهدا على الكثير من المواقف واللحظات، والتهاني والتبريكات، والتعازي والمؤاساة، بالإضافة لكونها صالة تحرٍّ للضيوف، ومخيم استقبالٍ للملهوف. يأوي لها غريب الدار، ويتعاهدها من اشتكى وعثاء السفر وطول الطريق.
قبل أن يصيبَ اليوم العزوفَ مرتاديها، ويطمس الكسوفَ شمسُها. وبين تلك الحقبة، وهذا الزمن ينهمر شلال الأسئلة... ماسبب هذا (الغياب)؟!
أغِبْنا أم غُيبنا في ظل العالم الافتراضي؛ حتَّى أصبح أحدنا لا يُطيق فراق ساعة عن هذا العالم.
الذي أسَرَنا عن أُسَرِنا وأبناء حيِّنا، وأبعدنا عن نقطة التجمع الوحيدة (الدكة) لنعيش خارج الخدمة مؤقتاً عن واقعنا الذي أوقعنا بلا هويَّة بين أروقة الجوال وداخل غرف التطبيقات
فأصبحنا نفتش عن يوميات رُعاع وتطبيقات ضياع.