خالد بن حمد المالك
مع بدء سريان وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى في المرحلة الأولى من الاتفاق، كان على القادة الإسرائيليين أن يتعاملوا مع الاتفاق بما لا يؤكد نواياهم السيئة، ويكشف عن أهدافهم المبطّنة، لكنهم كانوا كعادتهم لا يجدون مستقبلاً لاحتلالهم بدون الاستمرار في الحروب، مدعومين من أمريكا والغرب فتوافقت تصريحاتهم مع نواياهم المبيتة مسبقاً للعدوان.
* *
فالاتفاق متى ما استُكمل تطبيق مراحله الثلاث، يفترض أن يفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار، ووضع الترتيبات المتفق عليها لعدم خرقه، أو المساس بأي بند من بنوده، لضمان عدم تكرار حرب الإبادة التي كانت عليها غزة على مدى 15 شهراً، دون أن يكون هناك ما يحول دون إصرار تل أبيب عليها، حتى مع صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية بتجريم هذا العدوان، وإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء إسرائيل ووزير دفاعها السابق.
* *
فبنغفير استقال من الوزارة الإسرائيلية ومعه وزراء كتلته احتجاجاً على الاتفاق، لكنه لا يمانع من العودة إلى الحكومة متى ما عاد العدوان بعد الإفراج عن الأسرى لدى حماس، باعتبار أن ما جرى من حرب ضروس على مدى أكثر من عام راح ضحيتها الآلاف من القتلى والمصابين والمفقودين والمهجرين، وتدمير غزة بما يشبه التدمير الكامل غير كاف لدى هذه العقلية الدموية.
* *
وسموترتيتش الذي أجل استقالته من الحكومة لتمرير صفقة تحرير الأسرى لدى حماس، قال إنه سوف يستقيل، وبالتالي سوف يتم حل الحكومة إن لم يستأنف الجيش حربه في غزة، وكأنه هو الآخر لا يرى بداً أو خياراً عن القتال، ما يعني أننا أمام نيَّة لدى إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية، إن كان ذلك بمقدورها في هذه الحرب.
* *
ولم يتأخر نتنياهو عن الإعلان بأنه لن يتخلَّى عن حرب تقود إلى إنهاء المقاومة الفلسطينية، بعد أن يطمئن على تحرير أسراه من قبضة حماس، ليتخلَّص من الضغط الداخلي، وخاصة من أسر الأسرى، ومن المتعاطفين معها، الذين كانوا يطالبون بتحرير الرهائن حتى ولو خسرت إسرائيل الحرب، وخرجت من غزة دون تحقيق أهدافها المعلنة.
* *
أمام هذا الموقف الإسرائيلي لا تتفاءلوا كثيراً بأن حرباً دموية ومدمرة سوف تنتهي بهذا الاتفاق، مع أن حماس أعلنت وتضامنت معها الفصائل الفلسطينية الأخرى التزامها الكامل بالاتفاق، بنداً بنداً، وطالبت عدوها الإسرائيلي بالالتزام هو الآخر، حقناً للدماء في الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، دون أن تتخلَّى عن حقوقها المشروعة بإقامة دولة فلسطينية حرة ومستقلة وقابلة للحياة.
* *
ومن المؤكد أن أمريكا تملك القدرة والتوجيه لإلزام إسرائيل بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، غير أن تل أبيب لا يعجزها الادعاء، بأن استئنافها للحرب، جاء بسبب خروقات فلسطينية، حتى ولو لم تكن صادقة في ذلك، وإنما هو مبرر لتنفيذ نواياها المعلنة بكل وضوح مع بدء المرحلة الأولى من تطبيق الاتفاق، ولإيجاد غطاء لأمريكا كي لا تمانع في استئناف الحرب.