خالد بن حمد المالك
قبل أكثر من خمسين عاماً تعرَّض ابن عمي محمد العبدالله المالك وزوجته الأولى أختي نورة الحمد المالك لحادث مرور مروِّع ماتا على أثره - رحمهما الله- ولم تقتصر الصدمة على ألم فراقهما لنا، وما خلَّفاه من أسى وحزن وجرح لم يندمل إلى اليوم، فقد كانت المأساة مركبة، وتاليها مؤلم، وما خلفته موجع حتى العظم.
* * *
ما حدث كان أصعب من أن يُتحمَّل، وأن تمحوه السنوات، رغم إيماننا وتسليمنا بقضاء الله وقدره، فقد ترك ابن عمي وأختي مجموعة من الأطفال لزوجته الثانية، المرأة العظيمة الصابرة هياء السالم الجعيب، لتتولى مسؤولية الاهتمام والرعاية والتربية لأبنائها وبناتها، ولأبناء وبنات زوجته الأولى أختي نورة.
* * *
خلّف المرحوم (ابن عمي)، حين وفاته 16 بين ولد وبنت، أغلبهم قصر من زوجتيه، وتحمَّلت زوجته (أم علي) ليس الاهتمام بكل هذا العدد تربيةً وتعليماً، وإنما إعالة اثنين منهم في حالة إعاقة ومرض مستدام على مدى سنوات طويلة، وهما من الزوجة الأولى للمرحوم، في عمل إنساني، وفي أمومة لا يقوم بها إلا العظيمات من النساء.
* * *
ومن بين يديها الكريمتين، وبحسن تربيتها زفَّت أم علي هياء السالم من أبنائها وأبناء زوجها من زوجته الأولى لخدمة الوطن طبيباً وخمسة ألوية وعميداً ومقدماً للقوات المسلحة، بعضهم حصل على درجة الدكتوراه أو الطب إلى جانب رتبته العسكرية، والبقية على شهادات جامعية في تخصصات مختلفة.
* * *
ولم تقتصر تربيتها وحدبها واهتمامها ورعايتها على هذا العدد ممن أؤتمنت عليهم بالتركيز على التعليم فقط، وإنما كان اهتمامها أيضاً في تربيتهم التربية الصالحة، وفي تحقيق الألفة بينهم، ما جعلها أماً للجميع، لا يغيبون عنها، ويحرصون في البحث عن رضاها، وعن كل ما يسعدها.
* * *
وأقول أكثر، إنها كانت أماً لأسرة المالك كلها، مثلما هي الأم الحنون على جميع أبناء المرحوم زوجها محمد العبدالله المالك، لا ينقطعون عن التواصل معها، وزياراتها، فبيتها مفتوح للجميع، وكل يرى أن لها حقها المقدَّر من التقدير والاهتمام، باعتبارها الأم الثانية لهم، أنيس مجلسها، توقّر الصغير والكبير، ولا تسمع منها إلا أجمل الكلام وأعذبه، في قصصها ورواياتها وأحاديثها، وعن تجاربها ومسيرتها في الحياة.
* * *
واليوم ونحن نودّعها بعد عمر تجاوز التسعين عاماً، أمضته متسلحة بحسن الخلق، وطيب المعشر، وحلاوة اللسان، ورضا رب العالمين، ومحبة الجميع، اليوم لا نملك إلا أن نتوجه إلى الله العلي العظيم بالدعاء لها، سائلينه جلَّت قدرته بأن يشملها برحمته ومغفرته ورضوانه، وأن يكرّم هذه المرأة الصالحة المصلحة بروضة من رياض الجنة، وأن يلهم أبناءها وبناتها وجميع أسرتها الصبر وتحمّل الفقد لامرأة سوف تبقى حيَّة في ذواكرنا كامرأة عظيمة بما فعلت وبما تركت من سمعة طيبة، وعمل جليل، رحمها الله ورزقها رضا رب غفور رحيم.