م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1- السعادة نتيجة، فهي تأتي ولا يُؤتى بها، فلا يمكن أن تأتي بها وتجرها بحبل من عنقها من خلال إشباعنا لشهواتنا وتحقيق رغباتنا والركض خلف أهوائنا.. السعادة تأتي منقادة حينما يصبح لحياتنا معنى، وهذا يتحقق حينما يكون لكل شيء نفعله معنى.. وكلما كان المعنى كبيراً وواسعاً وشاملاً بحيث يتجاوز ذاتنا أتتنا السعادة عن رضىً، فملأت جوانحنا دون عناء أو جهد يذكر في طلبها.
2- السعادة تأتي حينما يكون لها معنى خارج نطاق ذواتنا الأنانية، وألا يكون جهدنا منصباً في التفكير في أنفسنا فقط، بل بما هو أوسع وأشمل من أنفسنا، وأن يكون شغفنا بالآخرين والاهتمام بهم أقوى من شغفنا والاهتمام بأنفسها.
3- السعادة تأتي حينما نعرف أننا اليد العليا التي تعطي أكثر مما تأخذ، وأننا نتسامح ونتغافل ونغفر، ويملؤنا شعور بأننا قادرون على ذلك سعيدون بفعله.. وحينما نكون ماهرين في المشاركة بارعين في التواصل والاتصال، نؤدي الواجبات الأسرية والاجتماعية والعملية بجودة وكفاءة.. وحينما نستكشف مشاعر الآخرين واحتياجاتهم ونسد تلك الفجوة في أفئدتهم ووجدانهم.
4- السعادة تأتي من الداخل، فهي تنبع وتفيض استجابة لما قمنا به في الخارج.. تأتي السعادة حينما ننوي فعل عمل مثير ومفيد ونافع، وتتضاعف حينما يتحقق ويُنْجَز ذلك العمل.. فالسعادة تأتي مع الإبداع والإنجاز وتحقيق الأفكار ونجاح المشروعات.
5- السعادة هي شعور يثري الوجدان وينعش الروح ويوقظ في النفس أحاسيس الخير والعطاء والتفاني والمبادرة، ويرفع من مشاعر التعاطف والمغفرة والتسامح، وتُذهب مشاعر الكرب والضيق والتوتر والتوجس والخوف والقلق.
6- السعادة تفتح القلب والعقل والروح للحب، حب الإنسان والحيوان والشجر والحجر، وتجعل منه إنساناً خيِّراً يسعى في الخير للجميع.. السعادة تشبع الروح وتحد من نهمها وجشعها وتهورها، وتجعلك تُغَلِّب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
7- السعادة تجعل الإنسان لا يمل الوحدة ولا ينفر من الجموع، ويحب تجميع الناس وتأليف الفِرَق، ويكون مبادراً في إصلاح ذات البين وداعماً لفعل الخير.. غير أنانيين ولا نرجسيين ولا منغلقين على ذواتنا، ولا نرى سوى أنفسنا، ولا نهتم بغيرنا.
8- السعادة تجعلك تستيقظ صباحاً وأنت مشع بالسرور، وتذهب لعملك وأنت مملوء بالحيوية، وتستقبل الناس مبتسماً محباً متقبلاً راضياً، أكثر جرأة في الاتصال والتواصل مع الآخرين.
9- السعادة داخلية تَصْدُر إلى الخارج، فهي شعور يتجاوز الذات إلى المحيط.. السعادة نتيجة فورية لعمل ناجح.. السعادة عمق شعور، وقناعة عقل، وسعة صدر، وراحة بال، واستقلال شخصية، وفرح روح.. السعادة انتشار، وحب، واجتماع، وإشباع.. السعادة ليست في أن نعمل ما نحب، بل في أن نحب ما نعمل.
10- السعادة ليست شيئاً مطلقاً، بل هي مجموعة أشياء وأمور صغيرة تُكَوّن في مجموعها السعادة.. إنها ومضات تضيء الحياة ويزيد وهجها لدى السعداء ويقل ضوؤها لدى التعساء.
11- السعادة مفهوم، فأخو الجهالة سعيد بجهله.. لذلك فالسعادة في رأي كثيرين تصب في طريقة نظرتك للحياة، أليس الحكم على الشيء فرعاً من تصوره؟ فالشافعي يرى التقي هو السعيد.. والصحة في نظر المريض هي التاج على رؤوس الأصحاء.. والفقير يرى المال دواء كل جرح وألم.. وهكذا.
12- السعادة من الأشياء القليلة في الحياة التي تزيد بزيادة توزيعك لها.. فأن تساعد محتاجاً أو أن تزرع ابتسامة في وجه محزون لها لحظة نشوة لا يعرفها إلا من استطاع فعلها.
13- لكن ما الذي تفعله السعادة في الإنسان.. إنها تزيد من إفراز حمض الأدرينالين في جسمه فينشط وتزيد حركته.. لذلك حركة الأطفال نشطة فهم لم يستوعبوا بعد ما يكدر حياتهم، وبالتالي سعادتهم فطرية نظيفة لم تتلوث بمنغصات الحياة.
14- السعادة في الحياة هي مجموعة السعادات (إن صح التعبير) السعادة الشخصية جسدياً ونفسياً، ثم السعادة العائلية، ثم السعادة العملية.. قد يطغى أحدها على الآخر، فمن ابتلي بمرض جسدي أو نفسي مثلاً فلن تعني له السعادة العائلية أو العملية الكثير.. كما أن السعادة العملية ستكون ناقصة دون سعادة عائلية.. وهكذا.
15- السعادة الأسرية هي أس كل سعادة فهي البيئة الحاضنة لها، وهي ميدان التربية والراعي الرئيسي لأي سعادة أخرى.. وهنا مكمن خطورتها.
16- ويكاد يتفق المفكرون على أن الحضارة في خلاصتها هي فن الاستمتاع بالحياة.. أو كما يقول الفلاسفة الإغريق: «الغاية من الحياة هي أن تكون سعيداً».. فما جدوى أن تعيش وأنت تعيس؟
17- أما علماء الاجتماع فيقولون إنه ليس المحيط ولا الأحداث التي تكتنف حياتنا هي التي تحدد هل نحن سعداء أم لا.. بل الذي يحددها هو المعنى الذي نعطيه لهذه الأحداث وكيف نفسرها ونفهمها.. فالقناعات هي التي تقرّر ما إذا كنا سنعيش حياة تتسم بالسعادة أم سنعيش حياة تتسم بالبؤس.
18- السعادة تدفعك لمحاولة تحقيق أهدافٍ تتجاوز ذاتك.