خالد بن عبدالرحمن الذييب
من خاف سلم، عبارة يرددها الذين لا يرغبون الدخول في المخاطر، فالخوف كما يقال «مليح» وإيثار السلامة صفة الحكماء، فبيدبا آثر السلامة عندما ألف كتابه على لسان الحيوانات، ولا نستطيع أن نذكر أمثلة لعظماء ومشاهير آثروا السلامة، لأنه باختصار من يؤثر السلامة يختفي!.
كثير من المشاهير عبر التاريخ والذين يصورهم أتباعهم بأنهم عظماء، ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا لأن عندهم أمرين اختلطا ببعض، شجاعة وشيء من السذاجة. فجيفارا مثلاً، وعلى الرغم من أنه شكّل شيئا في حياة محبيه باعتباره أيقونة لهم، إلا أنه امتلك شيئا من السذاجة إذ اعتقد أنه بقدراته الفردية ومعه حفنة من الرجال باستطاعته الإطاحة بإمبراطورية عظيمة مثل الولايات المتحدة التي لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا بعد مخاض طويل استمر قروناً، بدأت منذ بداية الحضارة الغربية في نهضتها الثانية إن جاز التعبير مع عصر النهضة، فالرجل الأمريكي نتاج هذا المخاض العسير خاصة أن من يحكم أمريكا هم من ذوي الأصول الأوروبية، فهذا الإرث العلمي الفكري والصناعي بإيجابياته وسلبياته من منتجات الحضارة الغربية ليس من السهولة مجابهته بقدرات رجل وحفنة من الشباب المتحمسين، ومع ذلك لا يبخس التاريخ حقه باعتباره أحد أشجع الرجال في القرن العشرين.
وعندما أقول «سذاجة» لا أقصد المعنى السلبي لكن ما أعنيه أننا بقراراتنا في هذه الحياة نحتاج شيئا من السذاجة والابتعاد عن الحسابات المعقدة والافتراضات المتسلسلة لاتخاذ قرار ما، نحتاجه شيء من السذاجة والجراءة تبعدك عن التفكير الحكيم، فالحكمة الزائدة والتفكير العميق يكون معيقاً أحياناً لتقدم الإنسان خطوات إلى الأمام.
يقول الراوي:
وقف مجموعة من الأشخاص، وأمامهم نهر عريض وخلفهم عدو ولكنه يبدو بعيداً، وهذا النهر يجري بسرعة شديدة، قال حكيم: من الحكمة أن ننتظر قليلاً لنتدبر الأمر، لأن السباحة في هذا النهر الجاري نتيجته الحتمية الموت، والعدو لا يزال بعيداً، فأيده حكيم آخر: ومن الحكمة أن نخطط ونفكر بكل الإيجابيات والسلبيات خاصة أن العدو لا يزال بعيداً، وردد صداهم ثالث: ومن الحكمة أن ننتظر النهر حتى يخف جريانه لأننا لو سبحنا لربما جرفنا التيار، واصطدمنا بالصخور وسط النهر، وقال رابع: ولربما لو مشينا بمحاذاة النهر نكتشف طريقاً أخر بدلاً من السباحة في هذا التيار، خاصة أن هناك بعض السذج الذين سبحوا فغرقوا في النهر.. وتداخل خامس: ومن الحكمة..
أخيراً..
أتى العدو وانتشل الحكماء ومات بعض السذج غرقاً..
ما بعد أخيرًا..
نجا البعض وعبروا بعد أن قفزوا سريعاً دون أن يفكروا بحكمة..
بعض المواقف لا تحتاج حكمة.. ولكن «شيء من السذاجة»!