د.حادي العنزي
أي بُني:
اقترب مني، اجلس بجانبي، دعني أحضنك، أشم رائحتك، أتنفس معك الطبيعة، وأشعر أنني أب وأنت ابني. أحدثك عن الغربة والناس، عن جيل الطيبين وعصر التقنية.
أي بُني:
أُشفق عليك وعلى أخواتك من كل شيء. أنتم تعيشون في عيادات متنقلة يجمعها المستشفى العام للعالم؛ تائهون، مُتعبون، مرضى بداء العصر الرقمي. تُعانون من متلازمة الاتصال الدائم، لديكم فوبيا الانقطاع عن الإنترنت، واكتئاب البطارية المنخفضة.
أي بُني:
تستيقظ صباحاً، وقبل أن تفتح عينيك للحياة، تفتحها على شاشة زرقاء تسطع في وجهك المُتعب.
تتصفح البريد، تنظر إلى إشعاراتك، تتحقق من «الستوري»، وكأنها مسابقة للحصول على أعلى النقاط.
خمسون دقيقة تمر عليك وأنت في سريرك، تغرق في مُحيطٍ رقمي، وكلما حاولت تجاوزه جرك إلى أعمق منه!
أي بُني:
كان جدك يستيقظ مع أذان الفجر، يتنفس عبق الصباح، ويباشر يومه بهمة ونشاط، بينما أنت تستيقظ على صوت منبه «الآيفون». وأول ما تراه هو شاشة هاتفك، وآخر ما تراه قبل النوم شاشة هاتفك أيضاً!
حتى في المنام، تحلم بإشعارات وهمية تُزعجك، وتهز سريرك!
أي بُني:
أراك تتململ في مقعدك ولا ترتكز في جلستك. عيناك تُراقبان شاشة هاتفك باستمرار، تخاف أن تفوتك «تريندات» تويتر، أو أن تغيب عن «لايف» أحد المؤثرين الذين يشرحون كيف يأكلون الشاورما بطريقة «قصة ملحمية»!
أي بُني:
رقبتك صارت مُنحنية، كتفاك متجمدان، إبهامك متورم، عيناك جافتان، دماغك مشوش، تُعاني من قلق رقمي مزمن، تخاف على فقدان هاتفك أكثر من خوفك على نفسك وأسرتك. تراقب عيناك بطاريته مثلما يراقب جدك صوت المؤذن بمسامعه.
أي بُني:
صرت تتجاهل الأقرباء وتصادق الغرباء. أنت تعرف أكثر عن حالة صديقك في اليابان، لكنك لا تعرف متى مرض جارنا أبو محمد. تُتابع قصص الأوروبيين على «سناب شات»، وتتناسى قصص أهل بيتك الذين يجلسون معك في نفس الغرفة!
أي بُني:
التقنية شكلت ثقافتنا وسلوكياتنا. خدعونا بمشاهير «الفلس»، وأغرقونا في متاهات العالم الافتراضي. جعلونا نصوّر بيوتنا، سياراتنا، حتى طعامنا، قبل أن نأكله. قهوتنا نتباهى بها ونقول: إنها تصنع يومنا وكيفنا، ونحن بلا كيف!
أي بُني:
نحن في غُربةٍ إنسانية، في وحشةٍ وضياع، حولتنا التقنية إلى آلات صماء، بكماء، عمياء؛ استولت علينا في جهاز بحجم كف يدك، واختزلوا لنا العالم به.
أصبحنا نبتسم من خلال (الفلاتر)، ونرى بعيونهم لا عقولنا، دائماً مشغولون، ونحن في فراغ. صنعت منا شخصيات أوهمتنا أننا فلاسفة، حكماء، أدباء ومفكرون، ومعظمنا لصوص نسرق عباراتنا وكتاباتنا من «قوقل».
جمعونا في زنزانة العالم الافتراضي، واستدرجوا مُراهقينا إلى ولائم الإثارة وصور الابتذال التي ينعتون بها الحرائر في عالمٍ اختلط حابله بنابله!
أي بُني:
أعرف أنك تريد المغادرة، ولا تستطيع أن تسمع أكثر. عيناك اشتاقت لضوء الجوال. تنميل أصابعك يُزعجك، دماغك يهرشك، شاشات العرض في مُخيلتك تسطع أضواؤها، تطلب منك أن تعود فوراً.
أنا أستوعب موقفك وأتفهم حالتك، لكن أنت يا صغيري، هل تعرف أنك تغرق فوق الماء وعلى اليابسة أيضاً!
أي بُني:
لا تؤاخذني على ما أكتب، ولا تأخذ أفكاري كمسلمات، أنا من زمن الطيبين، ولم أعد أستوعب التقنية كما يجب، أصبحت عاجزاً عن التمييز بين حسناتها وسيئاتها، من يعرفها ويحللها ويجيد التعامل معها هو أنت وأقرانك، فأنتم مستقبل بلادنا. استغلوا التقنية وطوعوها لتكونوا عوناً لوطنكم.
أي بُني:
بلادنا تسير بخطى واثقة لتصبح مملكتنا مركزاً عالمياً في التقنية والتحول الرقمي. طموحنا كبير، رؤيتنا واضحة نحو تحقيق الريادة التقنية. إننا نعمل على تطوير البنية التحتية للاتصالات ودعم المشاريع التقنية الناشئة، ونوفر كل ما يلزم من تدريبٍ وتمويل للمبتكرين.
أي بُني:
لا أخفيك سراً أننا عززنا الأمن السيبراني، ووسعنا التجارة الإلكترونية، وطورنا الحلول البيئية المستدامة. لدينا شراكات دولية، ونفذنا مشاريع تقنية عملاقة، ونستثمر في تطبيقات الذكاء الاصطناعي بعد أن طورنا مشاريع تحليل البيانات الكبيرة، وعززنا كفاءة العمليات في مختلف القطاعات.
أي بُني:
التقنية مستقبل العالم؛ وأنتم مستقبل بلادنا. حافظوا على بعضكم، ولا تأخذكم التقنية في سلبياتها، وتسحركم ببهرجتها. استعدوا لها وسخروها لكم ولأبنائكم. استثمروا معرفتكم ومهاراتكم، واصلوا تعلمكم وتعليمكم، فالعلم هو سلاحكم في عصرٍ سريع التغيير.
أي بُني:
دوركم مهم في بناء مجتمع متوازن، تتكامل فيه التقنية مع القيم الإنسانية. حافظوا على قيمكم وأخلاقكم، واستخدموا مهاراتكم في خدمة الوطن، وكونوا قدوة للأجيال القادمة. مسؤوليتكم كبيرة، وأنتم مؤهلون لها.
أي بُني:
اجعل مع أقرانك مخافة الله بين عينيك، ووطنك تاج رأسك. احتضن أقاربك في قلبك، تواصل مع الطبيعة، راقب الكائنات الحية من حولك، تجنب المشتتات. اترك هاتفك بعيداً، ومارس الصيام الرقمي، ابتعد عن مُلهيات التقنية.. ستعيش، لن تموت. جدك عاش سعيداً بدون «واتساب»، وأمك تزوجت بلا «فلاتر» سناب شات، وأبوك نجح في عمله بدون «لينكد إن»!
أي بُني:
تحدّث مع الناس وجهاً لوجه، لا تخشاهم، تشجع، ما زال ذلك ممكناً. اقرأ كتاباً ورقياً، استمتع بطي صفحاته بعد أن تغمس سبابتك في طرف لسانك، وتمتع بلذة طعم القراءة. احذر منبه الجوال ولا تصحو عليه، اشتر ساعة منبه تقليدية، ما زالت موجودة في الأسواق. ابدأ فوراً وبخطوات بسيطة، ستشعر بالفرق تدريجياً.
أي بُني:
بلغ زملاءك وأصدقاءك أن مستقبل بلادنا يقوم على عقولكم وأفكاركم. استعدوا للمستقبل بكل شغف وإبداع، كونوا دائماً في المقدمة؛ فنحن جيل الطيبين، وأنتم جيل الرؤية والمبدعين.