علي حسن حسون
على هامش حفل جوي أورد (Joy Awards) لعام 2024، الذي أقامته الهيئة العامة للترفيه في نسخته الخامسة، عاشت الرياض ليلةً من ليالي الإبداع والتألق، حيث اجتمع نخبة من الفنانين والإعلاميين العرب في حدثٍ احتفالي يليق بالفن ومكانته السامية.
كان الحفل مشهداً بديعاً يعكس التطور الكبير الذي تشهده المملكة في مجال الترفيه، وتخلله لحظات استثنائية تجسدت في تكريم رواد الفن الخليجي من الجيل الأول الذين ساهموا في وضع أسس الدراما والكوميديا الخليجية، وهم: مريم الصالح، إبراهيم الصلال، وعبدالرحمن العقل. كان التكريم اعترافاً بجهودهم وإسهاماتهم التي شكلت إرثاً خالداً يستحق الوقوف عنده بإجلال وإكبار.
عندما نستعرض الأعمال الخالدة التي قدمها هؤلاء العمالقة، نجد أنها امتازت بعمق الطرح وسلاسة الأداء، ما جعلها تحتل مكانة خاصة في قلوب المشاهدين عبر الأجيال. قدمت مريم الصالح أداءً استثنائياً في مسلسلات مثل «خالتي قماشة»، الذي تناول قضايا اجتماعية بلمسة فكاهية تحمل في طياتها رسائل هادفة، إلى جانب أدوارها الأخرى التي تُعد أيقونات في الكوميديا الخليجية.. أما إبراهيم الصلال، فقد أبدع في مسلسلات مثل «جحا» وغيره، حيث جسّد شخصيات قريبة من نبض الشارع الخليجي بعفوية ساحرة وحكمة عميقة. في حين تألق عبدالرحمن العقل في أعمال مميزة مثل «إلى أبي وأمي مع التحية»، الذي طرح قضايا الأسرة بأسلوب عاطفي وإنساني، وحبابة الذي حمل في طياته أفكاراً عميقة وقضايا تلامس واقع المجتمع بأسلوب درامي رصين.
ما يلفت النظر أن تلك الأعمال، رغم قلة الإمكانيات في زمن إنتاجها، اتسمت بروح السهل الممتنع، حيث قُدّمت بحرفية عالية وقدرة مدهشة على المزج بين البساطة والعمق. إن العودة لمشاهدة تلك الأعمال اليوم تُشعرنا بنفس المتعة التي كانت ترافقنا عند عرضها لأول مرة، إذ بقيت خالدة في الذاكرة وراسخة في الوجدان.
ومع ذلك، لا يمكننا إنكار التحديات التي تواجهها الدراما الخليجية والعربية في وقتنا الحالي، فقد أصبحت الساحة الفنية تعاني في بعض الأحيان من أعمال ضعيفة في مضمونها، تعتمد على الإثارة السطحية لتحقيق نسب مشاهدة عالية، متجاهلة القيم الفنية والمجتمعية للأسف، يلجأ البعض إلى تقديم محتوى يفتقر إلى العمق والاحترافية، معتمداً على نجوم وسائل التواصل الاجتماعي الذين يفتقرون إلى المهارات الفنية الحقيقية، مما أفقد الكثير من الأعمال روحها وأصالتها، وحوّلها إلى أدوات ترويجية سرعان ما تُنسى بمجرد انتهاء عرضها.
ورغم هذه التحديات، شهدت الدراما السعودية في السنوات الأخيرة قفزات نوعية، وظهرت أعمال مميزة تعيد الأمل بمستقبل مشرق للفن المحلي. ومن أبرز هذه الأعمال «خيوط المعازيب»، الذي حصل على جائزة أفضل مسلسل سعودي لعام 2024. استطاع هذا العمل أن يُذهل المشاهدين بفضل جودة السيناريو وحبكته الدرامية المتقنة، إلى جانب أداء فريق العمل الذي نقل الأحداث بإحساس عالٍ ومصداقية كبيرة، مما جعله يستحق هذا التكريم والاحتفاء.
مثل هذه الجوائز والفعاليات، كحفل جوي أورد، تشكل منصة ملهمة تُشعل روح التنافس الإيجابي بين الفنانين، وتُبرز الإبداعات التي تُثري الساحة الفنية. لكن هذه المنصات وحدها ليست كافية لدفع عجلة الفنون نحو آفاق أوسع وأرحب، فقد آن الأوان لاتخاذ خطوة جادة وطموحة تتمثل في إنشاء معهد للفنون في السعودية، يُعنى بتطوير المواهب المحلية وصقلها وفقاً لأعلى المعايير العالمية.
إن تأسيس هذا الصرح الأكاديمي ليس مجرد رفاهية، بل هو ضرورة حتمية لاستدامة صناعة فنية تعكس هويتنا الوطنية وتواكب تطلعاتنا المستقبلية. ورغم أننا قد تأخرنا في هذه الخطوة، إلا أن الفرصة لا تزال سانحة لتعويض ما فات، من خلال بناء معهد متخصص يشمل كافة المجالات الإبداعية من تمثيل وإخراج وكتابة سيناريو وتصميم إنتاج. مثل هذا المعهد سيُشكل استثماراً استراتيجياً في مستقبل الفنون السعودية، وسيفتح آفاقاً واسعة لإنتاج أعمال جديدة تحمل إرثاً يُخلد كما فعل روادنا السابقون.
ختاماً، بعد تكريم الأعمال الفنية يجب أن نكون صُنّاعاً لها، لنترك بصمةً خالدة في سماء الفن الخليجي والعربي، تعكس هويتنا وتُسهم في إلهام الأجيال القادمة.