د.عبدالعزيز عبدالله الأسمري
لعب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دوراً رئيسياً في إغفال الدور القطري والمصري في تحقيق اتفاق تاريخي لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، واضعًا نهاية لصراع عنيف استمر 15 شهرًا. هذا الإنجاز لم يكن مجرد خطوة لحظية، بل جاء نتيجة استراتيجية دقيقة ونهج جديد في السياسة الخارجية الأمريكية، مما يعزز مكانة الولايات المتحدة كوسيط دولي له تأثير واسع النطاق.
منذ ديسمبر 2024، أطلق ترامب سلسلة من التحركات الجريئة والفعالة. ركز في رسائله إلى الأطراف المتنازعة على أهمية إطلاق سراح الأسرى كشرط أساسي لإحراز أي تقدم. كما وجه تهديدات واضحة بعواقب وخيمة للأطراف التي قد تماطل أو تتجنب التعاون. هذا النهج الحاسم أعطى إشارة قوية إلى أن الإدارة الجديدة لن تقبل بالمماطلة، مما دفع جميع الأطراف إلى إعادة تقييم مواقفها بسرعة.
كان من عوامل نجاح هذا الاتفاق حسن اختيار ترامب لمبعوث يتمتع بشخصية قوية ونهج حازم مثل ستيفن ويتكوف، فلم يكن مجرد وسيط؛ بل كان رجلًا يعرف كيف يدير المواقف الصعبة بحنكة وحزم. فخلال جولاته الدبلوماسية المكثفة بين قطر وإسرائيل، حمل رسائل واضحة لا تحتمل المراوغة، عكست التزام الإدارة الأمريكية الجديدة بإنهاء النزاع. إحدى اللحظات التي أبرزت قوة شخصية ويتكوف، كانت عندما حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التهرب من الاجتماع معه متذرعًا بقدسية يوم السبت، لكنه أصر على إجراء الاجتماع في نفس اليوم، ما أجبر نتنياهو على تغيير موقفه والقبول بذلك. هذا الموقف لم يكن مجرد حدث عابر؛ بل كان تجسيدًا لنهج جديد تعتمده إدارة ترامب عند تعيين أشخاص قادرين على تجاوز العقبات وتحقيق النتائج بأسلوب قوي ومباشر.
لقد لعب التوقيت أيضًا دورًا محوريًا في نجاح هذه الوساطة، فقد سعى ترامب لتحقيق هذا الاتفاق قبل توليه المنصب رسميًا، مما أتاح له بدء ولايته بمصداقية قوية كقائد قادر على صنع الإنجازات الكبيرة. كما خلق الضغط الزمني حالة من الترقب لدى الأطراف، التي خشيت أن التباطؤ قد يؤدي إلى تغيير جذري في السياسة الأمريكية تجاهها.
على المستوى الإقليمي، أعاد هذا الاتفاق تشكيل ديناميكيات الوساطة التقليدية، فالدول التي كانت تقود الوساطة مثل مصر وقطر، وجدت نفسها أمام تحول في الأدوار مع بروز الإدارة الأمريكية كطرف مباشر أكثر فاعلية وصرامة. أما على الصعيد الدولي، فقد وجه الاتفاق رسالة واضحة للدول الكبرى، مثل روسيا والصين، بأن الولايات المتحدة لا تزال اللاعب الأقوى والمؤثر في الملفات المعقدة.
لقد برز تباين واضح بين نهج ترامب وبايدن في الإدارة؛ حيث كان يعتمد بايدن على الدبلوماسية الجماعية وبناء التوافقات، بينما يفضل ترامب الحسم والقرارات الجريئة لتحقيق نتائج سريعة، وهو ما يعكس رؤيتين مختلفتين للتعامل مع النزاعات الدولية.
في النهاية، يتجاوز هذا الاتفاق كونه نجاحًا دبلوماسيًا ليصبح شهادة على كيفية تحقيق اختراقات كبيرة في النزاعات الشائكة، وذلك عندما تقودها إرادة سياسية قوية ورؤية تركز على تحقيق النتائج الملموسة.