د.إبراهيم بن عبدالله المطرف
أدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مبنى الكابيتول، يوم الاثنين العشرين من يناير اليمين الدستورية، وتولى رئاسة الولايات المتحدة للمرة الثانية ولأربع سنوات قادمة، وفي يوم يمثِّل للمواطن الأمريكي تقليداً عريقاً يعود لعام 1789، عام تنصيب جورج واشنطن كأول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية.
لقد صدقت توقعات الكثير من مؤسسات متابعة الانتخابات ووسائل الإعلام الأمريكية بفوز الرئيس المنتخب دونالد ترامب على مرشحة الحزب الديمقراطي كاملا هاريس في السباق المحموم إلى البيت الأبيض، فقد تمكّن من جمع 276 صوتاً في المجمع الانتخابي، وهو ما يتخطى العدد اللازم للفوز والبالغ 270 صوتاً. وكان المرشح الجمهوري قد أعلن أمام ناخبيه من مدينة بالم بيتش بولاية فلوريدا، فوزه في الانتخابات الرئاسية التي حملته مجدداً إلى البيت الأبيض، الباب العريض الذي دخل عالم السياسة من خلاله في عام 2015 .
فاز الرئيس ترامب بمقعد القيادة في تلك الانتخابات، وبجميع الولايات السبع المتأرجحة، وحقق في المجمع الانتخابي 312 صوتاً، مقابل 226 صوتاً للمرشحة الديموقراطية. وبذلك، فإنه يحسب للرئيس ترامب تحقيقه لمعادلة صعبة للغاية، بفوزه بالتصويت الشعبي والهيئة الانتخابية في آن واحد، وهي المرة الأولى التي يفوز فيها الحزب الجمهوري بالهيئة الانتخابية والتصويت الشعبي منذ عام 2004، حيث فاز الجمهوريون عامي 2000 و2016 بالهيئة الانتخابية، ولكنهم لم يتمكنوا من الفوز بالتصويت الشعبي.
بينما خسرت المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس الانتخابات الرئاسية بهزيمة كاسحة ومدوّية، ووفقاً للعديد من التعليقات والتدوينات الإعلامية والصحفية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، فإن السبب في ذلك، يعود لحقيقة أن المرشحة هاريس لم تتمكّن من أن تنأى بحملتها من عباءتي الرئيسين باراك أوباما وجو بايدن، ما جعل الكثيرون يتوقّعون أن يمثّل فوزها نسخة من سياستهما وتوجهاتهما في الكثير من الملفات، وخاصة في ضوء أن عهد الرئيس بايدن لم يكن مرضياً لشريحة كبيرة من المجتمع الأمريكي.
ولقد دونت وعلقت وكتبت وسائل العالم الإعلامية والصحفية ومواقع التواصل الاجتماعي على ذلك الفوز الساحق للرئيس المنتخب بالكثير من التفصيل، ووصفت الصحف الأوروبية الفوز بالنتيجة المزلزلة، مضيفةً بأن الاتهامات والإدانات ومحاولات الاغتيال، لم تنل من الرئيس ترامب، فقد عاد رئيساً بفوز كبير غير متوقع، وبصدمة كبيرة للحزب الديموقراطي.
ووفقاً لوكالة الأنباء السعودية، فقد هنأ الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان الرئيس ترامب على فوزه، حيث بعثا برسالتي تهنئة إلى الرئيس المنتخب، الذي أقام علاقات وديّة مع المملكة خلال ولايته الأولى، فأشاد الملك سلمان بتميز العلاقات التاريخية الوثيقة القائمة بين البلدين والشعبين، التي يسعى الجميع لتعزيزها وتنميتها في المجالات كافة.
وحسب وكالة الأنباء السعودية أيضاً، فقد أجرى الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء، اتصالاً هاتفياً بالرئيس ترامب في السادس من نوفمبر، هنأه بالفوز في الانتخابات الرئاسية. وقالت وكالة الأنباء السعودية، إن الأمير محمد بن سلمان عبّر عن تطلع المملكة لتعزيز العلاقات التاريخية والإستراتيجية التي تربط البلدين، متمنياً للشعب الأميركي الصديق التقدم والازدهار بقيادته.
ومن جهته، عبَّر الرئيس الأميركي المنتخب عن شكره وتقديره لولي العهد على تهنئته، ومشاعره تجاه الشعب الأمريكي.
وكان المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب، قد قال في أكتوبر 2024 «إن السلام سيعود إلى الشرق الأوسط إذا عدت رئيساً، وسأعمل مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على ذلك»، مضيفاً أن «ولي العهد صاحب رؤية، إذ استطاع تنفيذ الكثير من الأمور التي لم يكن ليفكر بها أحد غيره، ويحظى بالاحترام في جميع أنحاء العالم».
ووصف المرشح الجمهوري العلاقات السعودية الأمريكية في حواره بالجيدة في الوقت الراهن، مشيراً إلى أنها كانت رائعة خلال فترة رئاسته، مشيراً إلى حقيقة أنه يحترم الملك سلمان كثيراً، كما يحترم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. ولا بد من التنويه عن حقيقة أن الرئيس ترامب ليس غريباً عن العلاقات السعودية الأمريكية، فقد عمل على قيادة علاقات بلاده بالمملكة لأعوام تخللها العمل الجاد والتعاون المثمر، الذي يتوقّع له أن يحرز تقدماً كبيراً في قادم الأيام.
وفي هذا الصدد، فإنه ينظر لعلاقات المملكة بالولايات المتحدة، على أنها من بين أهم علاقاتها الخارجية، فهي تعود إلى المرحلة التي فتحت مجال التنقيب النفطي في المملكة، وأسفرت عن اكتشاف أعظم احتياطي بترولي في العالم المعاصر، احتياطي أدى مع الوقت إلى تنمية دولية بلا حدود، وإلى تحول اقتصادي واجتماعي سعودي مذهل.
وتمثّل العلاقات السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية ركناً أساسياً في سياسة البلدين الخارجية، نظراً لأن المملكة تتمتع ومنذ ما يزيد على الثمانين عاماً بعلاقات مميزة مع الولايات المتحدة من جهة، ومن منطلق أن الولايات المتحدة تمثّل أكبر قوة سياسية واقتصادية وعسكرية وتقنية في العالم من جهة أخرى. ما يعني، أن المحافظة على هذا المستوى من العلاقات بينهما، هو أمر حيوي يتطلب تنميته وتطويره على كافة الأصعدة.
ويؤكد لنا واقع العلاقات السياسية الخارجية السعودية الأمريكية، أنه رغم ما شهدته العلاقات الثنائية من توترات وأزمات في فترات زمنية متفاوتة، إلا أنها بقيت علاقة شراكة إستراتيجية واضحة المعالم، ما جعل الكثير من المحلّلين والمراقبين والمتابعين الإقليميين والدوليين يشعرون بأن تلك الأزمات، هي التي ساعدت على تحصين العلاقات، إدراكاً من قادة البلدين بأن المصالح المشتركة، لا تجيء إلا عبر الرؤى المتقاربة، وإن لم تكن متطابقة.
ومن هذا المنطلق، فإن الكاتب يرى أنه من الإنصاف، أن يصف علاقات وتعاون بلاده مع الولايات المتحدة، بحجر زاوية في سياستها الخارجية، فالصداقة والتعاون بينهما أصبحا أكثر قوةً ونضجاً عبر السنين. فالرؤى والأهداف بينهما متماثلة، فيما يتعلق بالكثير من التحديات والأحداث التي يواجهها المجتمع الدولي، وتحاولان جاهدتان أن تخلقا حلولاً للمشاكل، وتحقيقاً للسلم والاستقرار، معتمدتين في ذلك على قيمهما المشتركة.
ولا يخفى على المتابع أن التطورات والمستجدات لم تغير من طبيعة العلاقات الوطيدة بين البلدين، وإن ذلك يتضح جلياً من خلال الزيارات والجولات الرسمية للمسؤولين الأمريكيين التي كانت الرياض محطة أساسية فيها، ما يُشعر المراقب بأن هناك إرادة مشتركة للحفاظ على العلاقات وتطويرها. وكانت القيادتان في البلدين تعملان على عدم السماح ما أمكن، لأي قضية أن تعرقل وتيرة التعاون بينهما، مستندين في ذلك إلى قناعة بأن الحوار والتعاون هما السبيل الأمثل والأجدى لتجاوز وإزالة كل ما يظهر على السطح من خلاف. وليس لدى الكاتب أدنى شك، في أن ذلك التوجه للقيادتين سيعود لطبيعته، بعد تسلّم الرئيس المنتخب دونالد ترامب القيادة من جديد.
ويعلم المواطن السعودي بمقدار حرص القيادة في بلاده على تعزيز علاقاتها بالولايات المتحدة، كيف لا وهي الشريك الإستراتيجي الذي ترتبط به بلاده بتاريخ طويل من العلاقة التي تعود بداياتها لعهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، تغمده لله بواسع رحمته.
ولقد جاءت زيارة الملك سلمان إلى الولايات المتحدة بعد أن أصبح على رأس هرم القيادة السياسية السعودية، لتتوّج زيارته التي سبقتها، ورغم مجيء تلك الزيارة في ظل ظروف سياسية واقتصادية وجيوسياسية إقليمية وعالمية بالغة الأهمية، إلا أنه نتيجة لما يوليه الملك سلمان من حرص، عزّزت الزيارة العلاقات التاريخية بين البلدين، تلك العلاقة التي يمكن النظر إليها، على أنها من بين أهم علاقات المملكة والولايات المتحدة الخارجية.
ويمكن القول بأن العلاقات السعودية الأمريكية هي علاقات متعددة الجوانب، تتسع لتشمل فضاءات مختلفة، سياسياً واقتصادياً وأمنياً وإستراتيجياً، علاقات يزداد توسعها يوماً بعد يوم، ويتوقع لها أن تشمل، وبكل تأكيد، فضاءات مختلفة ومتعددة على كل المستويات والأصعدة، مع عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى سدة الحكم.
ويختم الكاتب بالتأكيد على أن العلاقات السعودية الأمريكية قد نمت عبر السنين على نحو متميز، وشهدت تطوراً مستمراً، ومرت بمنعطفات ومراحل ومحطات مهمة، أدت إلى تقويتها حتى شكلت العلاقة بينهما أحد أبرز محاور سياستها الخارجية، وأكثرها أهمية وأولوية.