د.عبدالعزيز عبدالله الأسمري
عندما اندلعت الأحداث الأخيرة في غزة، بدا للوهلة الأولى أن حركة حماس حققت ضربة عسكرية نوعية، أظهرت قدرتها على استغلال ثغرات في النظام الأمني والدفاعي الإسرائيلي. هذا الهجوم المفاجئ، الذي اعتُبر إنجازًا استراتيجيًا، أظهر التنظيم في صورة القادر على التخطيط الدقيق والتنفيذ المحكم، ومع ذلك، ومع استمرار الحرب وتصاعد حدتها، بدأت الأسئلة تتزايد حول حقيقة ما حدث: هل كانت حماس تتحرك بذكائها الخاص أم أنها وقعت في فخ أكبر نُصب لها بعناية من قبل إسرائيل؟
من هنا، تبرز نظرية المؤامرة التي تشير إلى أن إسرائيل ربما تجاهلت عمدًا معلومات استخبارية وردت إليها تحذر من تحركات لحماس. تلك التقارير التي وصلت من مصادر استخبارية ودول مجاورة أكدت أن الحركة كانت تنفذ تدريبات مكثفة وتخطط لعمل عسكري كبير مع ذلك فإن تجاهل إسرائيل لهذه التحذيرات يثير شكوكًا حول ما إذا كان هذا التجاهل متعمدًا، بهدف استدراج حماس إلى مواجهة مفتوحة تخدم مصالح إسرائيل الاستراتيجية.
لقد خلفت الحرب وراءها آثارًا كارثية ستظل تعاني منها غزة لسنوات طويلة، فقد تجاوز عدد القتلى 46,000 شخص، معظمهم من المدنيين، بينما تعرضت البنية التحتية لتدمير شامل، خاصة في القطاعات الحيوية كالصحة والخدمات العامة. هذه الخسائر الجسيمة لم تكن مجرد نتيجة عفوية لصراع عسكري، بل تبدو وكأنها جزء من خطة أوسع تهدف إلى إضعاف غزة بشكل منهجي وشل قدرتها على التعافي في خطوة محسوبة في إطار مخطط مدروس يسعى إلى تحقيق أهداف عسكرية وسياسية أوسع.
على مدار تاريخها، اعتمدت إسرائيل نهج استدراج خصومها بذكاء لتحقيق أهداف استراتيجية. في هذه الحرب، يبدو أنها أوحت بطرق غير مباشرة لحماس بوجود ثغرات أمنية في حدودها، مما شجع الحركة على اتخاذ زمام المبادرة للهجوم، لكن الرد الإسرائيلي جاء قاسيًا ومدمرًا، ومستمرا لأكثر من عام، مما يشير بوضوح إلى أن ما حدث لم يكن عفويًا، بل جزءًا من خطة مُحكمة تهدف إلى تحقيق مكاسب تفوق المواجهة العسكرية المباشرة بكثير.
يدعم هذه الفرضية أيضًا، السلوك الإسرائيلي في ملف مفاوضات الأسرى، فإطالة أمد المفاوضات وعرقلة تقدمها من خلال زيادة شروطها أو التراجع عن التزاماتها، رغم الضغوط الداخلية والخارجية، يشير إلى أن إسرائيل تسعى لتوظيف هذا الملف لاستمرار الحرب حتى تتحقق الخطة المرسومة. فالهدف ليس فقط إضعاف حماس، بل تحقيق أجندة سياسية وجيوسياسية تخدم مصالحها الإقليمية والدولية بشكل مدروس ومدعوم بخطط دقيقة، وما شملته خريطة نشرتها إسرائيل مؤخراً إلا أحد تلك الأهداف.
ما يحدث في غزة ليس مجرد مواجهة عسكرية عابرة، بل يبدو كجزء من لعبة استراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل موازين القوى. ونظرية المؤامرة هنا قد لا تكون التفسير الوحيد لها، لكنها تقدم إطارًا محتملاً لفهم ديناميكيات هذه الحرب. في هذا الإطار تصبح الحرب وسيلة لتحقيق أهداف سياسية بعيدة المدى، حيث تتحول مأساة غزة إلى جزء من مشهد سياسي أوسع، صُمم بإحكام لتحقيق مكاسب استراتيجية بعيدة المدى.