د. محمد عبدالله الخازم
تُكرر عليَّ الأسئلة حول أنظمة وسياسات التعليم العالي، بصفتي خبيراً ومؤلفاً في هذا المجال، وذلك أمر محفز ويسعدني، دائماً. آخرها حول التعديلات المقترحة لنظام التعليم الجامعي والتي نشرت بمنصة استطلاع. هي تعديلات، حول نظام لم يطبق وسبق أن اقترحت استبداله (مقال نشر بتاريخ 14-4-2021م). لا زلت أرى حاجتنا إلى نظام جديد وفق حيثيات/ مبررات منها ما يلي:-
1 - أبرز المواد التي أُحتفي بها عند صدور النظام، كمؤشر على استقلالية الجامعات، تمثلت في تأسيس مجالس الأمناء للجامعات، كونها ستقلص المركزية وتضبط الحوكمة وتسرع الإجراءات، إلخ. أسس مجلسي أمناء (بدلاً من ثلاثة حسب ما أشار النظام) وكلاهما لم يكن فعالاً في تحقيق أهدافه أو لم يُمكن من القيام بمهامه. أكثر من عامين لاختيار رئيس جامعة الملك عبدالعزيز، دليل غياب الدور الفاعل لمجس أمنائها والآن يمر بذات النفق جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل.
تلك مهام تصنف (ألف باء) في عمل أي مجلس إدارة، بل ولم يستطع أي من المجلسين قول رأيه في تغييرات الثلاثة فصول أو تعيين العمداء والوكلاء، أو غيرها من المهام التي استمرت هيمنة الوزارة/ الوزير/ مجلس شؤون الجامعات عليها. سأتجاوز السؤال، لماذا لم تُمكن تلك المجالس من عملها، فذلك له مقال آخر..
2 - كان يفترض تعيين مجالس أمناء لبقية الجامعات خلال ثلاث سنوات من صدور النظام. صدر النظام عام 2019 ونحن الآن في 2025م، ولا زلنا ننتظر تفعيل ذلك. هذا دليل آخر على عدم صلاحية النظام!
3 - حدثت تطورات عقب صدور النظام، مثل استقلالية بعض الجامعات (مثال جامعات الملك سعود والملك فهد) وتأسيس أكاديميات خارج مظلة وزارة التعليم. كيف يكون نظاماً للتعليم العالي/ الجامعات وهو لا يأخذ في الاعتبار كافة قطاعات ومؤسسات التعليم الجامعي، بما فيها الأهلي والأجنبي والمستقل والفروع وغيرها؟ لماذا البعض بحاجة إلى نظام يجمعهم والبعض الآخر ليس بحاجة إلى ذلك؟!
4 - هناك ثغرات في النظام الحالي، أبرزها علاقة وزارة التعليم بالجامعات وبمجلس شؤون الجامعات وبالقطاعات التعليمية الجامعية الأخرى. تعمل الجامعات وفق كثير من التعليمات والتوجيهات، لأن نصوص النظام ليست واضحة بما يكفي، أو لأن المعنيين ليس لديهم الثقة بجودة وصلاحية وفهم النظام.
5 - حدثت تطورات في التعليم الجامعي والتوجهات الاقتصادية والتقنية والثقافية والإدارية وغيرها. النظام صدر قبل أزمة كورنا ولا يواكب بعض التوجهات الوطنية المعلنة مثل التمكين الاقتصادي والإداري للجامعات ودفعها للتنافسية العالمية، إلخ.
6 - أغلب التعديلات المقترحة تعظم دور مجلس شؤون الجامعات وتمكنه من صلاحيات أكبر. المجلس اسس كسكرتارية لاجتماعات مجلس شؤون الجامعات ومجالس الجامعات، ويقوم الآن بصلاحيات تنفيذية تفتح شهيته على المزيد منها. التعديلات المقترحة، تعزز صلاحياته المركزية، ولا تحقق الغايات التي ننشدها وأهمها تمكين واستقلالية الجامعات. بمعنى آخر، المجلس يتحول من أمانة تنسيقية إلى جهة رقابية وتنفيذية وتشريعية واستثمارية، وكأننا نعود إلى نقطة الصفر ونؤسس وزارة تعليم عالي مصغرة تحت مسمى جديد. نتمنى التوقف عن تكرار مصطلحات مثل الحوكمة والاستقلالية المنضبطة، والتركيز على وضوح الأدوار.
نحن في زمن إداري مختلف، نرجو مواكبته بتجاوز اساليب الماضي التي اعتادت التدخل في الأعمال التنفيذية للجامعات وتضييق صلاحياتها في إدارة شؤونها المالية والاستثمارية والأكاديمية والإدارية.
الخلاصة، لم أناقش التعديلات المقترحة، لأنني أرى بأننا بحاجة إلى نظام وطني للتعليم العالي شاملاً لجميع مؤسساته، يقدم لنا الفلسفة والرؤية الفكرية والغايات الوطنية الكبرى التي نريدها من التعليم الجامعي.