إبراهيم بن سعد الماجد
كانتا وكان..كانتا غير قادرتين على مزاحمة الرجال على المورد، حياءً وعفة، وديانة.
وكان لا يملك قوت يومه، جائعًا خائفا! نخوته جعلته يسقي أغنامهما {فَسَقَى لَهُمَا!}
تولى.. استظل بشجرة، ولم يسألهما..ولم يعرف من هما بنتاه.. ولم يشرح لهما ظروفه..
اكتفى بأن قال:
{رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}.
فكان الجواب أسرع مما يمكن أن نتخيله..
{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}
كان الافتقار إلى الله في كل شيء..لِما أنزلتَ.. أي شيء أنت مُقدره.. فقير!
خائفًا جائعًا.. طريداً مطارداً، فكان العزيز المكرم..
{فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}..
النجاة أولى بشائر الخير.. نجوت، وهذه أولى خطوات التعافي، وأولى بشارات الخير الذي سأله الله.. فقير..
افتقار إلى الأمان وإلى الطعام وإلى الأهل.
{قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}.
استجابة الله له كانت أسرع مما يمكن أن نتخيله.. أمان بعد الخوف، وشبع بعد الجوع، وأهل بعد الوحدة!
يا له من عطاء رباني عظيم.
{رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}..
سؤال مختصر.. واستجابة شافية كاملة.. رَبِّ..توحيد صادق، يقين وتوكل..فقير.. اعتراف بالحاجة له سبحانه وتعالى، فلم يسأل أصحاب الإبل والغنم الذين كانوا يتزاحمون على مورد الماء حتى ولو لقمة تسد رمقه
بل سأل الله وحده!
يا له من يقين وثقة في إجابة دعائه
{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ}.
كم نحن بحاجة إلى أن نكون متوكلين على الله، واثقين في عطائه، موقنين بإجابته.
تدلهم الخطوب..قل: ربِّ ربِّ لا شريك لك.
تضيق السبل.. قل: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}.
أولى بشائر الخير ستكون طمأنينة القلب، وراحة الضمير، وخاتمتها تحقيق المبتغى.
موسى وشعيب عليهما السلام في هذه القصة العظيمة التي لها قراءات كثيرة، قدما أعظم نموذج في حسن الظن بالله، وحسن التوكل.
اللهم اجعلنا من المعتبرين العارفين المتوكلين.