د.عبدالله بن موسى الطاير
بصراحة المواطن الأمريكي العادي، الرئيس ترامب يواصل صدم أمريكا، والعالم بقراراته، وتعليقاته الجريئة، والتلقائية. ما استوقفني من ضمن الكم الهائل من الأوامر والتصريحات تسميته دعاة الحرب الذين دمروا الشرق الأوسط بأسمائهم. أولئك النفر ينتسبون للحزب الجمهوري الذي يمثله الرئيس، يقفون في المعسكر المعارض له، وهم يقدحون من قناعاتهم كمسؤولين وصناع قرار في الإدارات الجمهورية السابقة، وإنما هم جزء من مدرسة أيديلوجية سياسية منظمة بدأت إرهاصاتها في بواكير الستينيات من القرن العشرين الميلادي على يد مجموعة من المثقفين، الذين كان كثير منهم من اليهود والاشتراكيين السابقين، والذين انتابهم قلق إزاء صعود اليسار الجديد، وحركة الثقافة المضادة، وما اعتبروه احتضاناً للتطرف الليبرالي من جانب الحزب الديمقراطي. لقد شعروا بأن الديمقراطيين يتخلون عن القيم الليبرالية التقليدية مثل معاداة الشيوعية ودعم الدفاع الوطني القوي ينجرفون بسرعة وجر المجتمع إلى قضايا اجتماعية هامشية. لقد شكل المحافظون الجدد مع الوقت أيديولوجية سياسية معقدة ومتطورة، وكانت مواقفهم في السياسة الخارجية محل خلاف داخلياً وعدم ترحيب خارجي.
شملت الأجندة السياسة الخارجية للمحافظين الجدد الدفع بتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان على أساس إيمان راسخ بأن الولايات المتحدة لديها التزام أخلاقي بنشر الديمقراطية وحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، زاعمين أن هذا ليس مجرد مسألة مبدأ، بل إنه أيضًا في مصلحة أمريكا، حيث كان من المرجح لديهم سهولة استنبات أو استنساخ الديموقراطيات التي ستنشئ واقعاً سلمياً ومستقراً في البلدان التي يستهدفونها بالتغيير، وهو ما تفاجأوا بعكسه في أفغانستان والعراق. لقد بدا المحافظون الجدد أكثر استعدادًا لاستخدام القوة العسكرية من مدارس الفكر الأخرى في السياسة الخارجية مثل الليبرالية التدخلية، والواقعية الهجومية، والمحافظون التقليديون، وهم جميعا يعتقدون أن الولايات المتحدة لديها مسؤولية فريدة من نوعها للحفاظ على النظام العالمي، وأن هذا قد يتطلب استخدام القوة لردع العدوان، أو إزالة الأنظمة المعادية، أو فرض الديموقراطية، أو الدفاع عن حقوق الإنسان.
ويعتقد المحافظون الجدد بالدعم غير المحدود لإسرائيل، وأنها حليف رئيس في الشرق الأوسط، وعلى كاهل الولايات المتحدة الأمريكية التزام أخلاقي بالدفاع عن إسرائيل. إلى جانب ذلك يؤمن المحافظون الجدد بأحادية القطب، وهم أكثر ارتياباً في المؤسسات والمعاهدات الدولية من المدارس الأخرى في فكر السياسة الخارجية الأمريكية؛ إذ يعتقدون أن أمريكا يجب أن تكون حرة في التصرف وفقًا لمصالحها الخاصة، حتى لو كان هذا يعني الذهاب ضد رغبات البلدان الأخرى، وانتهاك النظام العالمي وميثاق الأمم المتحدة.
يطلق على إيرفينج كريستول «عراب المحافظين الجدد»، وكان مفكرًا بارزًا ساعد في تشكيل وجهات نظر الحركة في السياسة الخارجية، إضافة إلى نورمان بودوريتز، محرر مجلة كومنتاري لفترة طويلة، وكان صوتاً رائدا للسياسة الخارجية للمحافظين الجدد، ويعتبر ويليام كريستول وهو ابن إيرفينج كريستول معلقا محافظا وبارزا، ورئيس تحرير صحيفة ويكلي ستاندارد. أما روبرت كاجان فقد كان زميلاً لافتاً للنظر في مؤسسة بروكينجز، وهو من أبرز المؤيدين للسياسة الخارجية للمحافظين الجدد، ويعتبر بول وولفويتز إلى جانب كونه مفكراً في هذه المدرسة من القلائل الذين شغلوا مناصب تنفيذية حساسة، حيث عمل نائبا لوزير الدفاع الأمريكي في فترة الرئيس جورج بوش الابن، وهو المهندس الرئيس لاجتياح أفغانستان والعراق.
بول وولفويتز جمع حوله فريقا من المحافظين الجدد في اللجان الاستشارية في البنتاغون، بل وأوصل بعضهم إلى مناصب مهمة في الإدارة التنفيذية، ومن المقربين له في تلك الفترة رتشارد بيرل وجون بولتون. وكأي مدرسة فكرية سياسية لم يكن المحافظون الجدد على قلب رجل واحد، ولم يكونوا متفقين على كل القضايا، بل كان هناك تنوع في الآراء داخل حركتهم، ولكنه غالبا في التكتيكات والفروع وليس في الاستراتيجيات والأصول.
ملفات المحافظين الجدد وأخطائهم ومغامراتهم استوعبتها الدولة العميقة، وسترت الكثير من سيئاتهم، وكادت الذاكرة المعاصرة أن تنساهم، وتغفر لهم، لولا أن الرئيس ترامب نبش الملفات وطرح الأسماء للتداول.