محمد بن حمد المالك
يختار الرجال العقلاء زوجاتهم بعناية واهتمام ويعنون أشد العناية بالأخلاق الحسنة، وهذا ما كان ينصب عليه اهتمام ابن العم محمد بن عبدالله المالك -رحمه الله-، سواء في زواجه الأول من الأخت نورة بنت حمد المالك أو زواجه الثاني من هياء بنت سالم الجعيب، ويقدر الله أن يرحل ابن العم محمد والأخت نورة في حادث أليم مخلفين وراءهما عددا من الأبناء والبنات من كلتا الزوجتين، والبعض منهم كانوا لا يزالون حينها في مرحلة الطفولة أو حداثة السن.
غير أن الله جعل في السيدة الفاضلة هياء الجعيب عوضاً طيباً فبذلت حياتها ووقتها وجهدها لتربيتهم أكمل تربية وبذلت لهم مشاعر الأمومة الفياضة التي لم يشعروا معها باليتم الذي خلفه الرحيل المر، فواصلوا تعليمهم وتواصلت مودتهم وتراحمهم فيما بينهم، بل إنهم غدوا مضرباً للمثل في العصامية والجدية حتى قطفوا ثمار الطموح الذي زرعته فيهم هذه المرأة الفاضله، فحملوا أعلى الشهادات العلمية وحازوا أعلى الوظائف المدنية والعسكرية، بل ولربما كانوا سنداً للكثيرين ممن حولهم.
ثم يقدر الله أن تحل أشد أنواع الأمراض بـ عبدالله -رحمه الله- الابن الأكبر لابن العم محمد، وكذلك منيرة البنت الصغرى، وكلاهما من أبناء الأخت نورة، فتبذل لهم هذه المرأة الحنونة من العناية اللحظية والاهتمام البالغ مالا تبذله الأمهات لأبنائهن ثم مع عظيم ما تقدمه تراها تخاف من التقصير في حقهم حتى ليشفق عليها كل من حولها، وتكون في مقدمة أدعيتهم التي يتضرعون بها لله أن يجزيها أحسن الجزاء.
وتظل سنوات بل عقودا، وهي الأم الحنون حتى للكبار منهم والممرضة العطوف على عبدالله ومنيرة إلى أن كتب الله الختام الحسن لعبدالله فبقيت ترعى منيرة وتجمع بقية أبناء وبنات زوجها تحثهم على التواصل والتعاون، رغم ما خلفته السنون على جسدها من أوجاع والشيخوخة من ضعف، لكنها لم تفتر ولم تتبدل، بل كان يتضاعف جهدها كلما ضعف من ترعاه منهم لدرجة أنها وهي في العناية المركزة في مرضها الأخير طلبت أن ترى منيرة لتفيض عليها ما تبقى من حنان وتمنحها ما لديها من دعوات تفيض من القلب وتعتذر منها أن سترحل وتتركها غير أنها تتركها لله الذي سيتولاها بلطفه وعنايته ولإخوانها وأخواتها الذين ستكون أمانهم من بعدها، ورغم ما تعانية من صراع سكرات الموت، ماكادت تترك يد منيره وهي تودعها الوداع الأخير.
رحلت فكانت فقيدة كل من عرفها وعرف سيرتها النادرة وأمومتها التي لاتشبهها أمومة، فكان رحيلها فاجعة للجميع، ولذا، نالت ثناء الجميع ودعواتهم وكأنها أم لكل من عرفها.
رحم الله أم علي هيا السالم الجعيب، وجعل الفردوس الأعلى ملتقاها مع زوجها وأختها الكبرى التي لم تلدها أمها الأخت نورة، وجبر الله مصاب أبنائها وبناتها والأسرة جميعاً {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.