سهوب بغدادي
غالبًا ما يرتبط مصطلح الإسراف بالأمور السلبية، ويقترن بمصطلحات أخرى لصيقة، كالإسراف والتبذير، مصداقًا لقوله جل جلاله: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، حيث يأتي الإسراف والتبذير في وضع الأموال في غير موضعها الصحيح أو بطريقة غير مقننة، علاوةً على ذلك، يتحقق الإسراف في مواطَن أخرى تندرج ضمن إطارات حياتنا المعاصرة، مع بزوغ الثورة الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي والمحتوى الرقمي الوفير من كل حدب وصوب، بطبيعة الحال، إن استهلاك المحتوى الرديء السيء أمر سلبي وينعكس على الفرد تباعًا بطريقة هدامة، كذلك، المحتوى الإيجابي والتطويري على الأخص، إذ انتشرت موجة تطوير الذات خلال السنوات القليلة الماضية وأصبح محتوى من لا محتوى له، ووسيلة للوصول إلى الشعبية والترند، بمعزل عن كون التطوير غاية لا وسيلة، حيث يعد الإسراف في المحتوى التطويري سلبيًا، باعتبار أن كل شخص يسرد محتوى من وحي تجربته الشخصية، وقد لا تتماشى تلك التجربة مع تفاصيل حياتي ومبادئي، هناك أمر آخر ليس في الحسبان، ألا وهو الإحساس بالعجز والخذلان عندما لا يتمكن الشخص من تطبيق ما تعلم على أرض الواقع. لنأخذ محتوى التواصل الفعال كمثال، ففي حال العمل عن بُعد عند وقوع الأزمة الصحية العالمية المتمثلة بتفشي فيروس كورونا لن يجد الشخص إطارًا ملائمًا لتفعيل وتطبيق ما سمع بشكل فعلي، وسيكتفي بالتواصل الإلكتروني، أو أبسط مثال: من يستهلك محتوى الغذاء الصحي والرياضة وهو يأكل وجبة سريعة على الأريكة!
إذ يشكل المحتوى الذي نتعرض له يوميًا عبئًا ذهنيًا ونفسيًا، ويكون الحل في تقنين المحتوى الإيجابي وكيفية استهلاكه ومدى ملاءمته لأهدافي وتطلعاتي وأسلوب حياتي، والحد من المحتوى السلبي أيضًا، لنأخذ الأفضل من العالم الافتراضي ونوظف ما لدينا بأحسن السُبل، بمعزل عن الإسراف في المحتوى الرقمي، لا ننسى أن الإسراف يقع في إطارات أخرى، فهناك من يسرف في طيبته، وتسامحه، وتغاضيه، فكلها خصال حسنة وسمات سامية إلا أن المعروف قد ينقلب عكسًا، وبالتأكيد الابتعاد عن الخصال السيئة والأخلاق المذمومة أمرٌ لازم، كما قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).