أحمد المغلوث
ذات صباح قارس دخلت إلى «حوش» البيت بطلب من والدتي أن أحضر لها ما توفر من البيض من تحت الدجاجات الأربع، لإعداد طعام الإفطار، دخلت الحوش لأجد البقرة وحتى الماعز منكمشين بجانب الجدار الجنوبي للحوش احتماء من البرد وأمام بيت الدجاج «الخن» كان يقف الديك الوحيد أمامه.
كأنه يحرس المدخل لزوجاته الأربع. وكان هذا البيت يتكون من قفصين متجاورين وفصلت أم سعد عاملة البيت من كل قفص جانبا ودمجت القفصين ليشكلان قفصا واحدا كبيرا. وقامت بتغطيتهما بالخيش، وكذلك الأرضية ثم نثرت على ذلك التراب، وبقايا طعام الغداء والعشاء ولم تنس أن تضع إناءً واسعًا للماء بعدما دفنت جزءا منه في أرضية بيتهم «الخن» كانت حريصة علي أن توفر صناديق كرتونية وزعتها في داخل «القفص الكبير»، الذي بات «خنا» كبيرا بعدما نثرت فيه أكثر من حزمة من البرسيم لكي تنام الدجاجات عليه مرتاحة وبالتالي تضع بيضها، وفيه مساحة لفقس الكتاكيت الصغيرة. لقد تعودت على مشاهدة هذا المكان بين يوم وآخر حسب أوامر الوالدة رحمها الله أو في غياب أم سعد فهي عاملة غير متفرغة وعادة تأتي ضحى كل يوم لبيتنا لمساعدة والدتي في القيام بكل ما له علاقة بالخدمة من كنس وغسيل. والمساعدة في تجهيز الخضراوات لإعداد وجبتي الغداء والعشاء. أما الطبخ فتقوم به الوالدة عندما فتحت باب القفص سمعت أصوات خرخرة تصدرها قطة وكنت قرأت أن هذه الخرخرة هي تعبير من القطط عند شعورها بالفرح والطمأنينة، وللدلالة على السرور، وأيضا عند اقتراب أحد من أهل المكان الذي تعيش فيه من أصحابها والمفضلين لديها، والخرخرة تصدرها أيضا القطط في حالة الولادة «نيو.. نيو» تكررت أكثر من مرة كنت ما أزال أمام «الخن» وصوت الخرخرة القططية يتواصل وأسمعه ولكن بصوت واهن كنت أحمل معي مصباحا يدويا رفعت غطاء الخن «الخيشي» بيدي اليسرى وسلطت الضوء في داخل الخن، وكانت العتمة سائدة داخله لكن هناك عينان تنظران إلي ألفتهما وإذا بي أشاهد «قطتنا أنيسة الونيسة» بعد لحظات تكرر صوت أنيسة فراحت تخرخر واهنة.
نظرت جانبا إلى أقرب دجاجة ومددت يدي لآخذ ما هو موجود بجانبها من بيض ويدي اليسرى تحمل مصاح الإضاءة وكان المشهد مبهرا بحق، خرجت من «الحوش» عائدا إلى مطبخ البيت حيث كانت والدتي تجهز حليب الإفطار، فتطلعت إلى وجهي وهي ترى وميضا فيه؛ تساؤلا وحيرة فقالت بعدما بدأت في تكسير البيضات الثلاث «خير» أشوفك تأخرت يا ولدي ليس كعادتك، فقلت في ثقة: أنوس نايمة داخل «خن» الدجاج، فردت الله يعافيها أم سعد قبل ما تروح لبيتها حملتها لداخله، تقول عنها شكلها بتولد هذه الأيام.. فتساءلت تولد، كيف طول وقتها في بيتنا، وما عمري شاهدت «قطو» غيرها في بيتنا أبعد مكان تذهب له سطح البيت أو تطارد أحد الفيران القادم لبيتنا متسللا ليلا من ثقب الباب الخاص بالمطر.. فردت باسمة: نعم من هذا الثقب جاء «زوجها» وحصل ما أراده الله، وأضافت صار يا ولدي بيننا وبين أنوس «أنيسة الونيسة» علاقة فيها الكثير من العطف والمحبة وعناية شديدة من أم سعد، بل تعودنا أن تأتي إلينا وقت تجهيز سفرة الغداء وكذلك العشاء أكان ذلك في أيام الصيف عندما تكون سفرة الطعام في رواق البيت أو في الشتاء عندما تكون السفرة داخل غرفة المعيشة.. وقاطعتها بلطف مرة: قرأت في مجلة «سندباد» أن القطة تأكل أولادها هل هذا صحيح..؟ فأجابت: نعم تأكل القطط أبناءها وهو سلوك طبيعي، فقد تأكل أحد أبنائها أو تأكلهم جميعا، وقبل أن أستوعب ما قالته والدتي راحت تساؤلات تلوب في عقلي باحثة عن جواب شاف أو تنجح والدتي رحمها الله في تفسير ذلك.