عبدالله إبراهيم الكعيد
في المحكي المحلّي نقول «كل(ن) يرى الناس بعين طبعه»، يعني اعتقاد البعض أن الآخرين على شاكلتهم في مفاهيمهم ونظرتهم للحياة، وقد يصل بهم الأمر إلى الاعتقاد بأن ذلك المختلف عنهم منحرف وضال في توجهاتهم ومذاقهم وحتى تصرفاتهم.
يستنكرون ثقافة الغير. لماذا يلبس الناس هكذا لباس؟ أليس في رقصهم بالسيف دعوة للعنف؟ هل موسيقاهم معقولة أم هي أقرب لقرقعة الأواني؟ وغيرها من صيغ الاستنكار والرفض للثقافات المختلفة.
كُثر مثل أولئك الذين يرون الناس بعيون لا ترى غير ما في داخل إطار ما تعودوا عليه وألفوه، أولئك الذين يتمنون لو فرضوا على العالم ثقافتهم، وما عدا ذلك كلام فارغ يُفترض تسفيهه وتبيان عواره!
يذهب الفيلسوف نمساوي الأصل بريطاني الجنسية لودفيغ فيتغشتاين المتوفى عام 1951 إلى أننا كبشرٍ ناضجين إذ نبحث ونتأمل الوجود البشري لا نستطيع أن ننزع عن أعيننا نظاراتنا الثقافية ونرى العالم متجرداً من الثقافة، أي عالماً غير مصبوغ بثقافتنا؛ كي يتسنى لنا مقارنته بالعالم كما نُدركه ثقافياً.
سؤالي لكل تلك الأطياف: ما الضير في تعلّق البعض بثقافتهم المحلية والتمسك بها؟ ولماذا تنادون بنزع نظاراتهم الثقافية كي ينسجموا مع الثقافات العالمية، حتى لو تصادمت مع معتقداتهم وقيمهم الأخلاقية؟
حتى يقف كاتب هذه السطور على الحياد في قضيّة شائكة كهذه أسأل: ألا يعتقد من ينادي بقبول ثقافات العالم المختلفة بأن مقاومة البعض الاندماج بثقافة الغير يعتبر شكلاّ من أشكال رفض العولمة التي تسعى لطمس الهويات المحلية، وتغطية جسد العالم برداء ذي لونٍ واحد، فرضه القوي بهيمنته المتغطرسة سعياً وراء السيطرة على الشعوب الأخرى؟ ذلك الرفض يتنامى حتى في عقر دارهم ومن شعوبهم!
كان المتسامح منّا الذي لم يرَ حينها خطورة التناغم مع الثقافات الوافدة عبر المحيطات يعتقد أن الحكاية ببساطة لا تتجاوز اختلاف الأذواق في تقبّل أنواع غير معهودة من الموسيقى أو التجريب في فنون المسرح أو معايير كتابة الرواية والمقالة الصحافية، وصولاً إلى تصميم الأزياء وبرامج الواقع التلفزيونية، لكن حينما تكشّفت الأمور أكثر اتضح أن نزع النظارة الثقافية يعني التخلي عن الأخلاق والقيم وحتى المفاهيم المتعلقة بخلق البشر. فالذكر يعتبر في ثقافتهم أنثى يمكنه منافسة الإناث في ميادين كانت مقصورة عليهن كجندر، والعكس بالعكس.
صفوة القول ينادي كاتب هذه السطور باحترام ثقافات الشعوب، فما يُناسب الغرب البعيد قطعاً لن يناسب الشرق مهد الحضارات والرسالات.