فضل بن سعد البوعينين
منذ إعلان سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن رغبة المملكة توسيع استثماراتها وعلاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة في الأربع سنوات المقبلة بمبلغ 600 مليار دولار، ووسائل الإعلام، والفضاء الإلكتروني يعج بالأخبار والتحليلات ذات العلاقة بالمحادثة الهاتفية التي أجراها ولي العهد مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والإستثمارات السعودية الأميركية.
شراكة استثنائية تستمد قوتها من تاريخ العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، والثقة المتبادلة بين ولي العهد السعودي والرئيس الأميركي. فكلاهما يتمتع بالرؤية الاقتصادية المنفتحة، والرغبة في تطوير إقتصاد بلديهما على أسس استثمارية تجارية.
قناعة المملكة بقدرة إدارة الرئيس ترامب على تحقيق الإزدهار الاقتصادي؛ والذي كَشَفَ عنه في خطاب التنصيب، المتضمن عزمه على تدشين الحقبة الذهبية لبلاده، وجعل أميركا مزدهرة وحرة؛ حَفَّزها على الإستفادة من الفرص المتاحة، لتعزيز شراكتها، وبما يحقق أهدافها الإستراتيجية الشاملة، الاقتصادية منها، على وجه الخصوص، وبما يسهم في توطين التقنية، وتدفق الإستثمارات السعودية على شركات التكنولوجيا الحديثة، ونقل التقنية الأميركية دون تحفظات، والضغط على متخذي القرار الأميركي بتسهيل الصفقات البينية وتلبية الإحتياجات السعودية المصنفة ضمن أهدافها الإستراتيجية بعيدة المدى.
هناك من تفاجأ بحجم الشراكة الإستثمارية التجارية مع الولايات المتحدة، غير أن الأمر بدى مبررا لدى المختصين والمطلعين على السياسة السعودية. فالقرارات السعودية لا تصدر كردود أفعال متسرعة، بل تبنى على أسس واضحة وأهداف إستراتيجية معدة سلفا، ومحققة لمتطلبات التحول والبناء والتنمية الإقتصادية، المرتبطة بمستهدفات الرؤية.
توسيع استثمارات المملكة وعلاقاتها التجارية ليست مقتصرة على الولايات المتحدة فحسب، بل أصبحت تركز على التوزيع الجغرافي، وبما يمنع التركز الإستثماري والتجاري، فتوزعت بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية ودول الاتحاد الأوربي، وغيرها من الدول الأخرى ذات الأهمية الإستراتيجية.
من المهم الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تأتي في المرتبة الخامسة في سلم الشراكات السعودية، وهي ثاني أكبر الدول التي تستورد منها المملكة، ما يعني أن تعزيز الشراكة التجارية والإستثمارية معها يحقق جانبا مهما من أمن الواردات الإستراتيجي، والأمن الوطني.
من المتوقع أن تسهم الاستثمارات السعودية في استكمال مستهدفات الرؤية ذات العلاقة بالقطاعات المهمة، ومنها الصناعات العسكرية، استكشاف الفضاء، تطوير استخدامات الذكاء الاصطناعي، تطوير الطاقة النووية، والطاقة النظيفة عموما، و نقل وتوطين التقنية وخلق الفرص الوظيفية والإستثمارية، ودعم القطاع الخاص وتعزيز شراكاته. وستسهم أيضا في تلبية احتياجات المملكة وتمويل مشترياتها الضخمة المرتبطة بالدفاع، الطيران، التكنولوجيا، الطاقة، الصحة والتعليم، الغذاء والدواء، وغيرها من المنتجات والعدد الإستراتيجية، وستتنوع بين الاستثمارت الحكومية واستثمارات القطاع الخاص.
تعزيز الاستثمارات السعودية في قطاع التكنولوجيا الأميركية سيسهم في تسريع عمليات نقل التقنية، والسماح للمملكة بالإستفادة منها، وتطوير بنيتها الرقمية وقطاعاتها التكنولوجية، وبما يؤسس لقاعدة الإنطلاقة نحو إقتصاد المعرفة.
ومن المهم الإشارة إلى مشروع «Project Transcendence» للاستثمار في الذكاء الاصطناعي الذي تخطط المملكة إطلاقه باستثمارات تناهز 100 مليار دولار، و تحويل «جامعة كاوست» إلى مركز إقليمي في صناعة الرقائق، ما يجعل الإستثمار في الولايات المتحدة، التي تمتلك مفاتيح تلك الصناعة التكنولوجية، وتتحكم بنقلها خارج السوق الأميركية، أولوية، وضرورة إستراتيجية.
من غير المقبول وصف العملاء والمرجفين، الشراكة الإستثمارية والتجارية السعودية الأميركية، بالشراكة غير المتكافئة، أو القسرية. فهي شراكة إستراتيجية ستبنى على المصالح المشتركة، وربما رجحت كفة الإستفادة السعودية على الأميركية، للمنافع الإستراتيجية المتوقع تحقيقها، فحجم الاستثمارات المعلنة والمجدولة يمكن توجيهها إلى دول أخرى وفي مقدمتها الصين، كما حدث من قبل في عهد الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، غير أن إستثمارها في السوق الأميركية سيحقق المصالح الوطنية الإستراتيجية، و التوازن الأمثل للإستثمارات السعودية بين الشرق والغرب، وسيدعم عمليات نقل التكنولوجيا، وتحقيق بعض مستهدفات الرؤية ذات العلاقة بتنويع مصادر الاقتصاد، وتوفير المتطلبات الدفاعية، وبناء المفاعلات النووية، بعيدا عن التحفظات الأميركية المعتادة.
فالمملكة تعلم ما تريد، وتتحرك وفق رؤيتها الإستراتيجية ومصالحها، بعيدا عن الإملاءات التي يتحدث عنها المرجفون، والعملاء، «حسدا من عند أنفسهم».