د. محمد بن أحمد غروي
رغم حداثة تأسيسه في عام 2020، استطاع مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية أن يرسّخ مكانته كمرجعية علمية عابرة للحدود في خدمة اللغة العربية، متنقلًا بأنشطته ومبادراته بين أكثر من 70 دولة عبر قارات العالم، ويعكس هذا الإنجاز الجهود النوعية التي تهدف إلى تمكين لغة الضاد عالميًا، وإبراز مكانتها كأحد أعمدة الثقافة الإسلامية، ودورها الحضاري بين لغات العالم. انطلق المجمع برؤية استراتيجية طموحة تقوم على تعزيز العمق اللغوي للغة العربية، والتأكيد على مركزيتها الثقافية والدينية، وتماشيًا مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، جاء المجمع ليكون أحد روافد برنامج تنمية القدرات البشرية، وهو المسار الذي يعزز من مكانة المملكة كمنارة في خدمة لغة القرآن الكريم، باعتبارها اللغة التي تنطق بها رسالة الإسلام الخالدة.
وفي حديثه عن أهمية اللغة العربية، أكد سمو الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود، وزير الثقافة رئيس مجلس أمناء المجمع، أن اللغة العربية ليست فقط وسيلة للتواصل، وإنما هي جزءٌ من هوية المملكة وذاكرتها، ومن الجيد الاستشهاد بأحد نصوصه في هذا الاتجاه، حينما يقول :»إن اللغة العربية جزءٌ من اسم بلادنا وهويتنا، وصوت من أعماقنا، ومكونٌ أساسيٌ في مستقبلنا وحاضرنا وماضينا». خلال شهر رجب (يناير الجاري) استكمل المجمع جهوده الدولية في منطقة جنوب شرق آسيا، وهي واحدة من أكبر التجمعات الإسلامية في العالم، حيث تتمتع اللغة العربية بمكانة خاصة بين شعوبها، حيث يُعتبر إتقان اللغة العربية هناك ميزة اجتماعية مرموقة، ويقصد آلاف الطلبة كل عام العواصم العربية لتعلمها وإتقانها، وفي هذا الإطار، نظّم المجمع سلسلة من برنامج «شهر اللغة العربية» في كل من إندونيسيا وتايلاند وماليزيا، ركّزت على تطوير أساليب تعليم اللغة العربية وتعزيز ارتباط الشعوب الإسلامية بها.
يمكن القول: إن أنشطة المجمع في المنطقة حملت طابعًا شاملًا، حيث اشتملت على ندوات علمية ودورات تدريبية موجهة لمدرسي اللغة العربية في الجامعات والمدارس، كما قام ممثلو المجمع بزيارات ميدانية للجامعات والمراكز التي تُعنى بتدريس اللغة العربية، بهدف تقديم الدعم وتعزيز التعاون مع هذه المؤسسات في تنفيذ المبادرات والفعاليات المستقبلية، كما لم تقتصر الجهود على الجانب الأكاديمي، بل قدّم المجمع تعريفًا بالامتحان المعياري للغة العربية «همزة»، والذي يُعد أداة حديثة لتقييم الكفاءة اللغوية على مستويات متعددة، داعيًا الجامعات لاعتماده كمرجع في تعليم اللغة العربية.
اهتم المجمع أيضًا بعرض مجموعة من إصداراته العلمية والمجلات الدورية المحكمة، التي تُعتبر إضافة نوعية في مجال البحوث اللغوية. وكان للدور الذي تلعبه الملحقيات الثقافية السعودية في المنطقة أثر واضح في دعم هذه الأنشطة، حيث تسعى هذه الملحقيات إلى تعزيز حضور اللغة العربية كلغة علمية وثقافية.
ورغم الجهود المبذولة، يبقى التحدي الأكبر في تطوير وسائل تعليمية تناسب مختلف الفئات العمرية والمستويات اللغوية، خصوصًا أن المنطقة تفتقر إلى موارد تعليمية مرئية ومسموعة مصممة خصيصًا لتعليم اللغة العربية لغة ثانية، ويرى المهتمون بتعليم اللغة العربية أن تعزيز استخدام اللغة في الحياة اليومية يحتاج إلى محتوى ترفيهي وتعليمي يخرج من إطار الكتاب المدرسي، ويعتمد على أدوات مبتكرة تشجع الطلاب على التحدث بها بطلاقة.
إن تطوير قاعدة بيانات متخصصة في الوسائل التعليمية التي يشرف عليها المجمع، بما يشمل مقاطع فيديو تعليمية وبرامج تفاعلية، قد يكون خطوة أساسية لتحبيب الأجيال الناشئة باللغة العربية وربطهم بها.
ومع التزام المملكة بدورها الريادي في خدمة لغة القرآن الكريم، تبدو الجهود مستمرة نحو تحقيق رؤية شاملة تجعل من اللغة العربية لغة تواصل عالمي تجمع بين الثقافات المختلفة.