خالد بن عبدالرحمن الذييب
لحظة موت سقراط، لحظة للتاريخ، لحظة إنسان انتصر لمبادئه، وتسامى فوق كل الصغائر وتحرر من كل خوف، سقراط صورة لانتصار الحق على القوة التي استطاعت هزم أداة الحق، ولكن الحق ذاته لم يخسر ولم ينهزم، فقد سقطت القوة وتهاوت، وخفت صوت الحق، ولكنه بقي صامداً معتزاً بقيمته.
سقراط صوت بقى وصورة استمرت في الذاكرة الإنسانية كلوحة لن ينساها التاريخ، ذكرى بقيت محفورة أبد الدهر، وأعطت صورة حقيقية لفكرة الموت، وأنه مجرد لحظة وتنتهي وتبقى الحقيقة صامدة مدى السنين، الموت بالنسبة لأصحاب المبادئ والعظماء ليس إلا لحظة من لحظات حياتهم، مرحلة انتقال من حياة قصيرة بحيويتها، إلى حياة الخلود الأبدي في ذاكرة الناس والتاريخ.
نهاية سقراط من أعظم القصص ذات التراجيديا العظيمة، قصة تحمل عدة معاني عميقة لا يستطيع الإنسان وصفها أو تخيلها، رجل يرضى بالإعدام من أجل فكرة مقتنع بها خيرٌ له من حياة يعيشها دون مبدأ.
سقراط كان نموذجاً يحتذى في رباطة الجأش والثبات على الفكرة والمبدأ، وهذا سينيكيا الفيلسوف الرواقي في روما القديمة يعيد نفس التجربة، لكن لم يحقق ذات الشهرة، وربما يعود ذلك لسببين، أولاً أن سقراط فعل ذلك بحكم القانون، وكان بإمكانه الهرب ومع ذلك رفض، وقرر احترام القانون حتى ولو كان ظالماً، فسقراط أراد أن يبين مبدأ احترام القانون حتى ولو كان على حساب نفسه، فالموت بالنسبة له ليس إلا مرحلة انتقالية من حياة إلى حياة أخرى، ومجرد انتهاء حياة عبثية في ذهن سقراط، بينما سينيكا عندما صدر قرار إعدامه، لم يكن ذلك بفعل قانون، بل بقرار من نيرون، ومن كان يجرؤ على مناقشة نيرون؟ فإمكانية الهرب لم تكن موجودة، فنيرون قرر وانتهى الأمر، ولا يمكن العودة عن قرار نيرون، في موقف كهذا سينيكاً ليس له إلا التنفيذ، فقرر طالما أنه لا خيار لديه إذن فليتقبل الموت بشجاعة، أما السبب الثاني في ظني أن ما فعله سينيكا ليس إلا تكراراً لما فعله سقراط، فهو مع عظمة ما قام به لم يكن الأول، وهناك سبب آخر أستعيره من الكاتب إبراهيم العريس الذي أشار إلى أن قلة شهرة سينيكا بشكل عام مقارنة بسقراط، أنه لم يحظَ بتلميذ مثل أفلاطون يخلّد ذكراه ويساهم في انتشاره.
أخيرًا...
ستون شخصاً فرقوا في التصويت لإعدام سقراط.. نسيهم التاريخ.. وبقي اسم سقراط!
ما بعد أخيرًا..
للحق صوت... وللقوة صدى..