هيفاء صفوق
لكل فرد أهدافه والنوايا الخاصة به، ولكل فرد قناعاته الشخصية وميوله في الحياة، وهذا ما يميز كل فرد عن الآخر، وهذه من نعم الله علينا في التنوع في كل شيء في الحياة، تنوع في الثقافات والتجارب والتخصصات والبرامج، فنحن لسنا نسخة واحدة وهذا ما يجعل هناك ثراء في المعرفة وثراء في العلم، والتميز في الموهبة والتفكير والتطلعات، كل ذلك التنوع يقدم التكامل والشمولية للوحة الكبيرة في الحياة.
- عندما يقرر الإنسان ما يريد فعله ويحدد النوايا الخاصة به ويحدد أهدافه وتطلعاته عليه أن يدرك ذاته أولا ماهي رغباته واحتياجاته وحقيقة ماذا يريد لأن ذلك يزوده برؤية واضحة ومتوازنة ومستقرة في عملية تطبيق ذلك ويسهل عليه المهمة ويبتعد عن التشتت والتردد، في هذه الدائرة المهمة يقع الكثير في الفخ في إظهار هذه النوايا والأهداف للآخرين المختلفين عنه، سواء كانت في الاعتقادات أو القناعات أو البيئة الثقافية والاجتماعية فيعطون آراءهم حسب توجهاتهم ورؤيتهم التي تخصهم وهنا يختل الميزان فيما نريد، وتتشتت آراؤنا وقناعاتنا وربما نختار ما يريد منا الاخرين وتفلت منا حقيقة ما نريد، لأن كل فرد يعطي رأيه من قناعاته الخاصة فيه والتي هي مختلفة تماما عنا وعن إمكانياتنا، فربما تكون إمكانياتنا عالية فيأتي من يحبطنا أننا لا نستطيع تحقيق ما نريد، وأن الظروف صعبة وغيرها من الأعذار، وعلى ذلك نقوم بالتخلي عن اهدافنا، وهنا لابد من إدراك حقيقة لا أحد يفهم ذواتنا أو داخلنا ألا نحن، هذا لا يعني أن نستغنى عن الاستشارة والاستماع لرأي مفيد يضيف لنا، ولكن بعد أن ندرك ذواتنا وماذا نريد فعلا من تحقيق أهداف نطمح لها بعد قناعة وتروي هنا بالإمكان أخذ الاستشارة ممن نثق فيه.
- هناك جوانب خاصة للإنسان لا أحد يعلمها غيره، إطلاع الآخرين عليها يسبب له الفوضى والحيرة ويقع في الاستماع لرأي الآخرين الذي لا يستند على شيء حقيقي، كم منا كان يمتلك رؤية خاصة فيه ولم ينجزها أو أهملها أو فقد العزيمة والشغف لها بسبب الاستماع لرأي الآخرين فقلت الرغبة في تحقيق هذه الرؤية، كم منا استمع لتلك الكلمات بأننا لا نستطيع بلوغ ما نريد أو إمكانياتنا أقل من تحقيق هذا الهدف فتراجعنا عما نريد ثم نكتشف مع مرور الوقت أننا أضعنا البوصلة الخاصة بنا والفرصة الجيدة التي كانت أمامنا.
-للإنسان جوانبه الخاصة الشخصية والثقافية والفكرية؛ لذا له بوصلة خاصة به تميزه عن الآخر، ترك تلك الدائرة مفتوحة أمام الآخرين سيسبب إحباطا وتشتتا بكل ما يؤمن به، هناك ثلاثية مهمة للإنسان؛ العقل والقلب والفكر، عليه أن يحرص عليها فهي أمانة عنده لكيلا يعبث بها الجهل أو الاستغلال.
- تحيط بالإنسان عدة دوائر منها دائرته الخاصة، ومن ثم الدائرة بشكل أوسع عائلته، ومن ثم أصدقاؤه ومن ثم زملاؤه ومن ثم مجتمعه ومن ثم المعارف الابعد فالأبعد، الإشكالية هي في السماح لدخول تلك الدوائر في دائرته الخاصة فيضيع التوجه والاتجاه حتى يكون نسخة من الاخرين، وهذا للأسف ما نسمعه بين فترة وآخرى شعور البعض بالغربة وأنه لا يجد نفسه، وأخطر ما يشتت الانسان هو التلاعب بفكره فلا هو ترك القديم ولا هو استطاع أن يتماشى مع الجديد.
- الفكر والوعي والنوايا والأهداف حصيلة عمر وتجارب وقناعات لا أحد يدركها غيرنا وعندما نخوض مع الآخرين في توجهاتهم بدون فهم وإدراك الحصيلة أننا نجد أنفسنا بعدنا عن ذواتنا وأصبحنا كما يكرره البعض الشعور بالغربة، وهي انسلاخ الانسان عن حقيقته مما يسبب له الألم.
- إذاً كيف نتدارك ذلك؟ برجوع للبوصلة الخاصة بنا وعدم السماح لدخول الغرباء فيها وضرورة رسم الحدود، نعم هناك حدود بيننا والآخر تضمن الاحترام وجودة العلاقات الإنسانية مع بعضها وتضمن جودة الحياة التي نريدها، وهذه الحدود مخفية هي خاصة بنا لكنها تتضح في ممارستها مع الآخرين المقربين والبعيدين مبنية على الاحترام والتقدير لذواتنا أولا، ثم بيننا وبين الآخرين، وهذه الحدود لا تقلل أهمية الآخر لنا بالعكس ربما يكون هذا الآخر قريبا جدا، ولكن رسم الحدود يعطي خصوصية للإنسان ولا تتعارض مع الحب والمحبة والاحترام والقرب، لأن هناك من يخلط في رسم الحدود والبعد في المشاعر والعلاقات، وهناك اختلاف كبير، الحدود تكون مع المقربين أيضا وهي احترام قناعتهم وتوجهاتهم كما نحن نحترم قناعاتنا وتوجهاتنا، كما أن في رسم الحدود تجعلنا نتحمل مسؤولية قراراتنا وتوجهاتنا فلا نلوم أحدا أو نتوكل على أحد ويساعدنا هذا في حفظ دائرتنا الخاصة بنا وتحقيق ما نريد فعلا بعد اقتناع.