أ.د.عبدالرزاق الصاعدي
ذكرت في المقالة السابقة الأدلة النقلية، وأذكر اليوم الأدلة العقلية، وهي مستنبطة من واقع اللغة وتاريخ الصناعة المعجمية، وفي مضمونها نفي صريح لاكتمال المادة اللغوية في معاجمنا، ومنها:
1- استدراكُ المتأخرين على المتقدمين، في جميع القرون، واستمرار الاستدراك إلى زمن صاحب التاج، وبعد زمانه إلى زماننا، وكلُّ مستدرِكٍ مستدرَكٌ عليه؛ لأن العمل البشريّ لا يبلغ الكمال.
2- ثمة جذور - ليست قليلة - حَكم عليها صاحبُ العين بأنها مهملة فتبيّن فيما بعد أنها مستعملة، ونبّه على ذلك المعجميّون الذين تقبّلوا العين واتخذوا مادته أساسًا لمعاجمهم، فزادوا عليه واستدركوا الجذور التي لم يصل إليها علمه وحكم عليها بأنها مهملة.
3- أن الرسائل اللغوية الصغيرة وكتب الغريب والنوادر والشوارد لم تفرغ بكاملها في المعاجم.
4- أن دواوين الشعر تحوي قدرًا من الفوائت، ودليل ذلك ماثل أمام أعيننا، وهو الفهرس النافع الذي صنعه محققا المفضليات الأستاذان الكبيران أحمد محمد شاكر وعبدالسلام هارون، مما عرض لهما حين التحقيق، وكذلك فهرس محمود شاكر لطبقات فحول الشعراء.
5- أني وجدتُ في تحقيقي للروحة في الضاد والظاء للجرباذقاني قدرًا غير قليل من اللغة مما لا وجود له في معاجم الألفاظ جميعها، ووجدتُ فيه شواهد لغوية من شعر العرب لم أجد لها أثـرًا في كتب التراث التي أتيح لي الاطلاع عليها، وهي كثيرة، وقد نعجب حين نعلم أن انفرادات الروحة في الشواهد بلغت نحوًا من ألف شاهدٍ شعري لا وجود لها في المعاجم وكتب التراث.
6- ويضاف إلى ما تقدّم أن مغاليق الجزيرة العربية بنجدها وحجازها وعسيرها وتهامتها ويمنها وعمانها ظلت في منأًى عن كثيرٍ من اللغويين، الذين كانتْ جهودُهم في جمع اللغة جهودًا بشريةً فردية، يعتريها النقصُ لضعف الوسائل المساعدة، وصعوبة المُوَصِّلات.. فهناك بيئاتٌ لم يؤخذْ من لغتها إلا القليل؛ لأنَّ علماءَ اللغة لم يصلوا إليها.
وأقول: إنّ من الثابت أن معاجمنا فاتها شيء غير يسير من اللغة، فقد كان جمع اللغة خاضعًا لجهود ذاتية لأفراد من علماء اللغة والرواة الأعراب، المتاخمين للعراق.