أ.د.صالح معيض الغامدي
استكمالاً لما نشر في الحلقة السابقة من المقال الذي وعدتكم فيه باستعراض أبعاد حضور الإبل في سيرة (التحول)؛ حيث سأستشهد ببعض المقاطع النصية من هذه السيرة في كل سياق وسأبدأ بالسياق الأول:
1 -سياق الغذاء والدواء
اعتمد سكان البادية اعتمادا كبيرا على الإبل في مأكلهم ومشربهم وملبسهم فالراوي يذكر أنه على صلة بالإبل منذ صغره، وكثير مما يورده البطل مرتبط بالرعي والرعاة والراعيات يقول:» كان عمي يغريني ويخصني بامتطاء جمل، فأحمل عليه زادي وقربتي مع قرب الراعيات اللواتي كن على استعداد لرعاية أغنام العم لقاء حمل القرب المائية وربما لقاء صحبتهن فأنا محبوب لديهن أحادثهن وأمازحهن وألاطفهن رغم صغر سني» (ص 12).
ويقول:» فقد كان رعاة الإبل يذهبون بعيدا ولا يعودون إلا بعد أشهر، وكانوا يتغذون على ألبانها وقل أن يجدوا طعاما «(19).
ويقول واصفا رحلة الصيف التي يذهبون فيها للعمل في المزارع شمالا في البلقاء والكرك وربما فلسطين» وتعود القوافل متعددة في جماعات متقاربة، الإبل تحمل أثقالهم وهو يسيرون ليلا ونهارا معهم الأغذية وبعض القهوة والسكر والشاي، بينما أهاليهم في (حسمى) و (الحرك) لا يجدون غذاء إلا اللحم، ولم يبق إلا النساء والضعفاء من الرجال، وكانت أحمال الإبل قليلة لأنها المخزون لعام كامل لأسرة كاملة لم أصحب هذه القوافل، ولكن أخي الأكبر صحبهم، وأتذكر تللك القافلة لما أقبلت من الأردن وهي آخر رحلة يقوم بها الوالد بل كل أهل الحرة «( 21).
ويقول «خرجنا من تبوك على الإبل في قافلة، وكان يصحب الأسرة خالي(مسلم) وعمي (حماد) ولكن النوم في البر حالة صعبة عندي.. وركوب الإبل لم أعهده لكني مارسته، حتى كنت أدخل في سباق مع الأقران « (25).
ويقول: « وأكثر ما يشربون أو يقدمون يكون اللبن، وله ألوان متعددة أفضله لبن الإبل، وهو يكفي عن تقديم الغذاء في الليالي الشديدة الشحيحة الغذاء، إذا تعذر الغذاء البتة « (40).
وعلى الرغم من أن رعي الإبل قد كان مقصورا على الأبناء كما يقول العطوي، فهناك حالات قليلة تقوم فيها البنت برعي إبل أهلها، وقد أورد العطوي قصة طريفة تدل على قدرة الإبل على معرفة موارد المياه في الصحراء وإنقاذ الناس من الهلاك.
ويذكر العطوي أن البنت قد كانت تستعمل بول الإبل في تسريح شعرها: « فأخذت تمشط شعرها وتعتني به وتغسله بالماء، ولكن أكثر ما تسرحه ببول الضأن فهو يقتل القمل ويلين الشعر وإذا وجدت المرأة بول الإبل فذلك أعلى مطالبها لشعرها، وبول الضأن وبول الإبل هو ما يغتسل به بعد الدسم» (11).
ويقول في التداوي بسنام الإبل «وبمناسبة أنهم يحمسون سنام الإبل وشحومها ثم يجعلونها في مزاود (مداهن) ويسمى الودك.. ويضعون المزاود في (مصن) وهو مخزن لا تأتيه الشمس.. لأكثر من عام» ويستعملونها لعلاج الناس.
2 - سياق الركوب والزينة أو الجمال
استدعيت الإبل كثيرا في سيرة العطوي في سياق حديثه عن تجاربه الحياتية المرتبطة بالأفراح والأعياد والمناسبات الجميلة التي كانت الإبل فيها حاضرة باستمرار ومشاركة في إدخال البهجة في نفوس الناس ومنهم بطل هذه السيرة بطبيعة الحال.
يقول العطوي واصفا شيئا من ذلك في حفلات الأعياد «وهناك الحفلات نهارا، وتتمثل في إحضار المطايا مزينة بالحلل المزركشة من النسيج، وما أحلى اصطفافنا لها وهي تمر أمام البيوت في كوكبة واحدة، والأناشيد تعلو والزغاريد النسائية تصدح من كل بيت تمر به الكوكبة وأصوات البنادق تدوي، وكدت أفقد روحي حين رمى الوالد.. لكن الله سلم» (37).
ويقول:
«وكان الشباب والمراهقون والأطفال يعلون الركائب خلف الكبار وتقف النساء أمام البيوت رافعات الرايات تارة وتارة رافعات اللبن للشرب..والركب ينزل عند الأبيات التي تعد الطعام ويأكلونه ثم ينتقلون إلى نزل آخر متباعد للمعايدة والتهنئة ويقابلونهم بكوكبة من الركب فتتكاثر الكوكبة لتجول أمام النزل، ويكون هذا شأنهم طوال اليوم» (37).
ويخصص العطوي في سيرته مكانا للحديث عن المراكب ومعالم الزينة للمطايا ومن أهمها الإبل، وسأشير إلى ذلك لاحقا في السياق اللغوي، في المقال القادم إن شاء الله.