أجرى الحوار - عوض مانع القحطاني/ تصوير عبدالله مسعود:
حوارنا في هذا العدد مع رجل خدم العمل الاجتماعي والإنساني في بلادنا، وأعطى بصمة في مسيرته العملية، حسب من عاصروه. كان محبوبا وصاحب خلق رفيع طيلة مشواره في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.. نال عديدا من شهادات الشكر والتقدير.. الأستاذ محمد بن حمد المالك وكيل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لشؤون الرعاية الاجتماعية سابقا.. فماذا قال لنا عن مسيرته وعن عدد من الأسئلة التي تتعلق بالشأن العام في بلادنا.
* أين كانت نشأتكم؟
- النشأة كانت في مدينة الرس في منطقة القصيم، والدي حمد -رحمه الله- كان من أعيان الرس وله علاقات قوية مع قيادة هذا الوطن ومع كافة المسؤولين والتجار من أبناء منطقة القصيم،وهو يعمل في مجال التجارة وله بصمته الخاصة في التعامل مع المحتاجين، ولا شك أنه زرع فينا حب العمل الخيري والإنساني ومساعدة الناس وكان الناس يسترشدون بآرائه السديدة في كل حياتهم وخدمة وطنهم، وكان عدد أولاده (19) والذين هم على قيد الحياة (14) وكلهم أهل علم ومناصب يخدمون دينهم ثم وطنهم وقيادتهم في كل مناحي الحياة.
* كيف سارت مسيرتكم التعليمية؟
- حصلت على الشهادة الابتدائية في مدينة الرس وكنت متفوقا في الدراسة وقد مرت بالطلاب خريجي الابتدائية ظروف، لأن الرس كانت مدينة صغيرة في ذلك الوقت وكان عدد السكان فيها قليلا والحياة فيها كانت تفتقد إلى وجود الخدمات مثل الكهرباء وانتشار المدارس وكان الشيخ محمد المانع -رحمه الله- مدير المعارف قد استدعى والدي وقال أمامكم فرصة لمن يرغب التوظيف أو إكمال تعليمه وليس أمام خريجي الابتدائية إكمال دراستهم إلا في مكة أو المدينة أو جدة وهؤلاء يصعب عليهم الذهاب إلى هذه الأماكن والآن أنتم أمام خيارين، إما الذهاب لهذه الأماكن التي ذكرتها لكم أو الوظيفة لأن الخطة عندنا إغلاق هذه المدرسة حتى يتوفر العدد الكافي من الطلاب ومن المعلمين، أما الذين تخرجوا فإننا نقترح عليهم أن يتم تعيينهم معلمين في هذه المدرسة واقترح مدير المعارف في ذلك الحين وقد تم تعييني على وظيفة معلم أنا وبعض زملائي وبالفعل تم توظيفنا على وظائف معلمين في هذه المدينة وقد افتتح المدرسة الأستاذ عبدالرحمن العرفج واستمرت المدرسة في قبول الطلاب وكذلك تم أيضا توظيف بعض طلبة العلم الذين يدرسون على أيدي المشايخ للعمل في تدريس الطلاب، وقررت مواصلة تعليمي وقد حصلت على الشهادة المتوسطة ثم أولى ثانوي وثاني ثانوي لأنه لم يكن في القصيم إلا هذه المراحل وبعدها سافرت إلى الرياض لإكمال المرحلة الثانوية ولم يكن والدي يرغب في انتقالي إلى الرياض لقربي منهم وبالفعل بقيت مع والدي وواصلت التعليم أيضا على أيدي المشايخ حتى نلت من العلم ما يؤهلني إلى مستقبل مشرق في مجال التدريس.
* ما هو أول عمل التحقت به؟
- أول عمل التحقت به وظيفة معلم التي ذكرتها سابقا وكان الراتب في ذلك الوقت 180 ريالا والوالد -رحمه الله- حالته المادية جيدة، تنقلت في هذه الوظيفة إلى وكيل مدرسة ثم إلى مدير مدرسة ثانوية في الرس، بعد ذلك انتقلت إلى مدينة الرياض على وظيفة إدارية بعيدة عن التعليم، وعرض علي من قبل وزير العمل في ذلك الوقت الشيخ عبدالرحمن أبا الخيل الانضمام إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وطلب من وزير المعارف في ذلك الوقت الشيخ حسن آل الشيخ نقل خدماتي إلى وزارة العمل فتمت الموافقة وقد باشرت العمل في وزارة العمل في الشؤون المالية والإدارية بعد ذلك تم نقلي إلى وكالة الوزارة لشؤون الرعاية الاجتماعية وتدرجت في عدة وظائف في هذه الإدارة وكان المسؤول عنها صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز وقد تحولت هذه الإدارة فيما بعد إلى وكالة مرتبطة بالوزير بميزانية مستقلة وعين عليها سمو الأمير فهد بن سلطان وكيل وزارة لشؤون الرعاية الاجتماعية وكنت نائبا لسموه وأخذ الأمير فهد بن سلطان إجازة طويلة وتم تعييني فيما بعد وكيل وزارة العمل لشؤون الرعاية الاجتماعية ثم بعد هذه الخدمة الطويلة تم نقلي إلى مكتب وزير الدفاع مستشارا حتى تمت إحالتي على التقاعد.
* حدثنا عن الرعاية الاجتماعية في ذلك الوقت هل كانت تواجهكم مصاعب؟
- الرعاية الاجتماعية في ذلك الوقت مكونة من عدة قطاعات دور للأحداث (دور ملاحظة)، دار الأيتام، دار التربية الاجتماعية للبنين والبنات ثم مؤسسة الرعاية الاجتماعية للفتيات والرعاية اللاحقة دور المسنين، دور الحضانة، الرعاية المنزلية، الجمعيات الخيرية، رعاية المعوقين شديدي الإعاقة، وكان تقدم لهم أنواع الخدمات ويحظون بالتعليم والتأهيل فقد استطاع عدد كبير منهم شق طريقه وأصبحوا في وظائف مرموقة بفضل التربية وما يقدم لهم من الدولة من دعم سخي.
* كيف تقيم اهتمام الدولة بهذه الشرائح؟
- أريد أن أؤكد بأن هذه الفئات تحظى باهتمام كبير ومتابعة من قبل ملوك هذه البلاد وما نطلبه من مشروعات وخدمات ثم تطور الأمر في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان إلى أن أصبح هناك اهتمام أكبر وعناية فائقة وصدر عديد من التنظيمات والتشريعات التي تحقق طموحات هؤلاء وخاصة في مجال التعليم والتأهيل والرعاية وافتتاح عديد من المراكز المتطورة التي تتوافر فيها جميع الخدمات، وأصبحت ميزانيات هذه الدور متكاملة ومغطاة بجميع ما يحتاجه إنسان هذا الوطن.
* هل كانت أعداد الملتحقين بهذه الدور كبيرة؟
- أبدا كانت أعدادهم قليلة مقارنة بما هو حاصل حاليا توسعت خدمات هذه الفئات وأصبح هناك طاقة استيعابية لكل من يحتاج دور الرعاية الاجتماعية، والأعداد متقاربة من البنين والبنات في ذلك الحين.
* هل كنتم تعانون من نقص في الأيدي العاملة أو مجالات التطوع؟
- مررنا بصعوبة في الحصول على الكوادر التي تعمل في هذه الجوانب خاصة مجالات شديدي الاعاقة ولكن الدولة -رعاها الله- سخرت لنا كل الإمكانات واعتمدت لنا المبالغ اللازمة للتعاقد مع أفضل الأيدي العاملة، وقد وجهنا وزير المالية في ذلك الوقت محمد أبا الخيل باعتماد مبلغ مقطوع نتصرف فيه بالتعاقد مع من تتوافر فيهم الخبرة والرغبة من الداخل والخارج، وقال لنا هذا يتيح لكم سد احتياجاتكم وبالفعل تم تغطية النقص في جميع برامج مراكز الدور الاجتماعية، والتأهيل والتدريب وكان من الصعب توفير أيد سعودية في ذلك الوقت، ولكن الحمد لله في ظل رؤية المملكة وما تخرجه الجامعات السعودية أصبحت المملكة اليوم رائدة ويتوافر فيها جميع التخصصات وأصبح العمل التطوعي متوافر وبالآلاف وأصبح رجال الأعمال يقدمون تبرعات في خدمة هذه الفئات واليوم أصبحت جميع دور الرعاية تدار من قبل أبناء وبنات الوطن.
* كيف كنتم تخدمون كبار السن؟
- كان هناك مؤسسات تم التعاقد معها لخدمة كبار السن الذين لا تستطيع أسرهم رعايتهم في جميع مناطق المملكة وكانوا لهم برنامج متكامل من النواحي الصحية والترفيهية داخل مساكنهم وكان لكل نزيل مكان خاص به وأماكن لزيارة أقاربه فكانوا يحظون بكل ما يحتاجون إليه وأماكن لزيارة بعضهم البعض والمكان المتواجدين فيه هؤلاء النزلاء من كبار السن عبارة عن فنادق.
* ما هو القرار الصعب الذي اتخذته عندما كنت على رأس العمل؟
- لم اتخذ أي قرار صعب وأنا على رأس العمل وندمت عليه لأنني أستشير قبل اتخاذ أي قرار والإنسان معرض للخطأ والصواب.
* ما هو القرار الذي تمنيت أنك اتخذته قبل التقاعد؟
- تمنيت أن الرعاية الاجتماعية تبقى على ما هي عليه وكالة لها ميزانيتها المستقلة وأن يكون ارتباطها بوزير العمل مباشرة مثل ما كانت عليه في السابق ولكن الأمور حاليا تسير على ما يرام.
* ما هو القرار الذي تمنيت أنك طورته وعملت عليه؟
- كنت أحرص كل الحرص أن تتطور هذه الرعاية أكثر فأكثر، لأن حبي شديد لهذا المجال منذ أن توليت قيادة هذا العمل الإنساني.
* ما هو العمل الذي تعتز وتفتخر أنك أنجزته؟
- هو عملي بالرعاية الاجتماعية طيلة خدمتي، وأنا مرتاح له منذ أن توليته إلى يومنا وقد أنجزت الشيء الكثير وتربطني علاقة بالعاملين بالوزارة الذين تولوا هذه الوزارة إلى يومنا وما زلت أحن إليهم وأتابع جهود الوزارة وهم في بعض الأحيان يستشيروني في بعض أمور الرعاية الاجتماعية.
* ماذا عن عمل الجمعيات الخيرية في ذلك الوقت؟
- الجمعيات الخيرية في ذلك الوقت تؤدي دورها لخدمة المجتمع المحتاج وكانت تحظى بمتابعة من قبل أمراء المناطق ورجال الأعمال والقضاة والدولة كانت تدعم هذه الجمعيات وتمنحها أراضي وكنا نشرف عليها إشرافا مباشرا وكانت تقدم رعاية للعديد من الأسر المحتاجة وتتابع أحوالهم.
* ما صحة بأنك أنت الذي اقترحت اسم جمعية رعاية الأطفال المعوقين؟
- هذا صحيح، كان الإخوان ينوون في الجمعية إطلاق اسم مؤسسة رعاية الأطفال المعوقين وكان هناك جلسة حوار مع معالجة الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- فقلت لمعاليه أنا أقترح عليكم ألا يطلق عليها اسم مؤسسة بل تكون جمعية حتى تستفيدوا من الإعانة التي تقدمها الوزارة للجمعية لأن المؤسسات لا يقدم لها إعانة، وبالفعل عقد أول اجتماع للجمعية برئاسة الوزير القصيبي وقال خلال الاجتماع أود أن أقدم الشكر لسعادة الأستاذ محمد المالك الذي قدم لنا اقتراحا بمسمى الجمعية والشكر الآخر موصول لرجل الأعمال عبدالعزيز الشويعر الذي قدم الأرض المجاورة للجمعية منحة لنا، والجمعية من خلال تشكيل مجلس إدارتها تؤدي دورا مهما على مستوى المملكة لخدمة الأطفال المعوقين.
* كيف تنظر إلى رؤية المملكة التي يشرف عليها ويتابعها ولي العهد؟
- يكفي أن نراها في مدننا وشوارعها ومبانينا وجميع منشآتنا، يكفينا هذه النقلة غير المسبوقة في تطوير البنية التحتية لدينا مشروعات عملاقة مثل القدية ومشروعات العلا ومشروعات نيوم والبحر الأحمر، ولدينا الترفيه، ولدينا تطوير المطارات، ولدينا حديقة الملك سلمان، والرؤية أصبحت أمام أعيننا ونتفاخر فيها والعالم من حولنا.
* ما هي التحديات التي ما زالت تواجهنا؟
- وضع المملكة حاليا قوي ولم يعد هناك أي تحديات تواجهنا لأن رؤيتنا عالجت كل التحديات وبلدنا تعيش حالة من الاستقرار والرخاء والأمن والأمان، بعض الدول تتمنى أن تكون مثل السعودية في التطور والاستقرار.
* ما هو المطلوب من الإعلام المحلي؟
- أن يواكب كل هذه المتغيرات الحاصلة في بلدنا وأن يظل إعلامنا مواكبا في نقل الأحداث والمتغيرات ويحاولون مسايرة التطور.
* كيف تنظر إلى السياحة في المملكة؟
- السياحة مطلب ضروري ووضع المملكة حاليا برؤية ولي العهد ونظرته الثاقبة جعل لدينا نقلة كبيرة في مجال السياحة والمملكة منفتحة على العالم، ونتمنى من المواطنين قضاء إجازاتهم في الداخل لأننا لم نعد في حاجة للخارج فجميع خدمات الترفيه لدينا.
* كيف تنظر إلى اللحمة الوطنية؟
- نحن في المملكة نعيش لحمة كبيرة والدليل على هذه اللحمة مع الدولة كمية التبرعات التي يتبرع بها أهل الخير والمواطنون عندما يأتي نداء القيادة وكذلك لحمة المواطنين مع قيادتهم هو الحفاظ على أمن الوطن والالتفاف حول قيادتهم.
* أين تكمن المتعة بعد التقاعد؟
- مع أهلك ومتابعة شؤونهم والتقاعد رحمة وصحة للإنسان.
* هل تؤيد وجود خدمات ترفيهية داخل الأحياء؟
- بكل قوة نحن في حاجة لها وأظن أنها مأخوذة في اعتبار ولي العهد حفظه الله وفي رؤيته.
* هل تؤيد الاستفادة من خدمات المتقاعدين؟
- بالطبع نعم، خاصة ممن تتوافر فيهم الخبرة النادرة.
* ماذا أعطاك الوطن؟
- الوطن أعطاني كل شيء ومكنني من خدمته في مجال الرعاية الاجتماعية.
* من هو مثلك الأعلى في الحياة؟
- هو والدي الذي علمني ورباني على عمل الخير وحسن الخلق.
* كيف تجد انخراط المرأة في بناء الوطن؟
- أعتقد بأن المرأة اليوم أصبحت تسهم في بناء الوطن ونالت نصيبها من الأعمال في القطاع الحكومي والخاص وأثبتت نجاحها في كافة القطاعات.