رمضان جريدي العنزي
لهوى النفس آفات وأخطار ومضار وانعكاسات سلبية ونتائج مدمرة، أمواجها عنيفة، ورياحها قوية، وأرضها قفراء يابسة، أن المعركة قوية ومكينة بين هوى النفس وبين العقل، أن تغلب العقل عاش المرء بهناء ونعيم وراحة بال، وإن تغلب هوى النفس انحدر المرء إلى السفوح، وعاش في مرارة وشقاء ونكد وتعب. قال الشاعر:
النفس كالطفل إنْ تتركه شبَّ على
حب الرضاع وانْ تفطمه ينفطمِ
إن الانسياق وراء أهواء النفس وشهواتها ورغباتها ومتطلباتها حتماً يجر نحو المستنقعات الآسنة، والآثام العظيمة، والذنوب الكبيرة، وقد يؤدي قبل التدارك للتهلكة، والهزيمة والخسران المبين.
قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}.
إن المرء المدرك العاقل الواعي يمسك زمام نفسه، ويحاسبها بدقة ويتمعن ويتفكر قبل الوقوع بحُفر الهوى وأوديته السحيقة، ودروبه المهلكة، وفجوجه المخيفة، ودهاليزه المعتمة..
قال الشاعر:
إذا المرء أعطى نفسه كلُّ ما اشتهت
ولم ينهها تاقت الى كل باطلِ
وساقتْ إليهِ الإثم واتباع الهوى لعار
بالذي دَعَتْه اليهِ من حلاوة عاجِلِ
إن هوى النفس آفتها، وما أقبح الهوى والآفة، وما أشد فتكه بصاحبه، يصده ويرده وينحو به نحو الخطر الجسيم، ويرسم في قلبه نقطا سوداء هائلة ومخيفة.
قال صلى الله عليه وسلم: (أخوف ما أخاف على أمتي اتباع الهوى، وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة).
إن رغائب النفس عديدة، وليس لها حد، لها تنوع وأشكال وألوان، وهي سلطان على الضعيف، وغالبة على كل هش رقيق، إن على المرء أمساك نفسه وتأديبها وضبطها ومجاهدتها ومحاسبتها وخلق الإرادة والشدة معها وإيقافها عند حدودها، ويحذر من الإنجراف مع تيارها، حتى لا يسقط في التبلد واللامبالاة، إن أشجع الناس من غلب هواه، وعزم على تركه، وهرب منه، وبذل جهده ووقته في طاعة ربه، ليأمن في الدارين الدنيا والآخرة، ويسعد فيهما، فإياك أيها المرء إياك من هوى النفس، والاستسلام له، فكم أهلك ودمر وخرب وأضاع وشتت.