هادي بن شرجاب المحامض
برحيل الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود، فقدت المملكة أحد أبرز رجالاتها الذين جمعوا بين الحزم القيادي والرحمة الإنسانية. هو ابن الملك فهد بن عبدالعزيز وحفيد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، قائد ترك بصمة لا تُمحى في مختلف ميادين العمل الوطني والإنساني، من التنمية إلى الدفاع عن كرامة الأوطان.
حين اجتاحت القوات العراقية الكويت في 1990، كان الأمير محمد بن فهد أحد أبرز أبطال تلك المرحلة الحاسمة. لم يكتفِ بدوره الإداري كأمير للمنطقة الشرقية، بل تحوّل إلى قائد ميداني يتابع عن كثب كل تفاصيل الاستعدادات الدفاعية، والمساعدات الإنسانية المقدمة للأشقاء الكويتيين.
في واحدة من أكثر اللحظات جرأة وإنسانية، تولّى الأمير محمد بن فهد بنفسه مهمة نقل أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح بعد خروجه من بلاده. ورغم التوتر الأمني والمخاطر المحيطة، قاد الأمير سيارته الخاصة بنفسه ولم ينم لأكثر من 24 ساعة متواصلة. استغرقت الرحلة ثلاث ساعات قطعها بإصرار وحزم ليؤمّن وصول أمير الكويت إلى الدمام حيث وجد الأمان والرعاية. كانت هذه الحادثة تجسيداً واضحاً لمعاني الأخوّة الصادقة بين البلدين وموقفاً تاريخياً لا يُنسى يؤكد عمق العلاقة الراسخة بين السعودية والكويت.
على مدى عقود، كانت المنطقة الشرقية شاهدة على نهضة اقتصادية وتنموية غير مسبوقة تحت قيادة الأمير محمد بن فهد. أشرف شخصياً على تطوير البنية التحتية وتعزيز المشروعات الكبرى، محوّلاً المنطقة إلى مركز اقتصادي محوري في المملكة.
لم يكن الأمير مجرد إداري محنك بل كان حاكماً قريباً من الناس، يُعرف عنه فتح أبواب مكتبه للاستماع لمشاكل المواطنين والعمل على حلها شخصياً.
إلى جانب دوره القيادي، كان الأمير محمد بن فهد رائداً في العمل الإنساني والخيري. أسس «مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية»، التي قدمت خدمات واسعة للأسر المحتاجة، وساهمت في تمكين المرأة ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة. كما دعم القطاع الصحي عبر إنشاء مستشفيات وتوفير العلاج للمحتاجين.
آمن الأمير محمد بأن التعليم هو مفتاح المستقبل. أطلق مبادرات لتحسين التعليم التقني والمهني وأسهم في تأسيس كليات وجامعات بالمنطقة الشرقية. كما كان داعماً قوياً للشباب، حريصاً على تمكينهم وتأهيلهم للمساهمة في بناء الوطن.
عند سماع نبأ وفاته، اتصلت برجل الأعمال هادي بن حمد آل همام، أحد أصدقائه المقربين لتعزيته في فقدان هذا الرمز الوطني الكبير. كان رده مؤثراً للغاية، تحدث بصوت يختنقه التأثر وكأنّه فقد أعز إخوانه. استذكر بنبرة ممتزجة بالحزن والفخر مواقف الأمير الإنسانية وأعماله الجليلة التي يشهد لها أهالي الشرقية بل والعالم بأسره.
لم يكن الأمير محمد مجرد مسؤول رسمي، بل كان رجلاً يحمل هموم الناس بحب وصدق، يُعطي دون انتظار مقابل، ويترك بصمة لا تمحى في كل قلب عرفه أو استفاد من عطائه.
برحيله، فقدت المملكة قائداً استثنائياً وشخصية جمعت بين القيادة الحكيمة والإنسانية العميقة. إرثه لا يتجسد فقط في مشاريعه العمرانية والتنموية، بل في القيم والمبادئ التي ألهمت من عرفوه.
سيظل الأمير محمد بن فهد رمزاً للشجاعة والإنسانية، وذكراه نوراً يلهم الأجيال للسير على خطاه في خدمة الوطن والوقوف بجانب الإنسان.